إذا كان العام 2015 تميز بصعود نجم «داعش والإرهاب» في المنطقة، فإن العام 2016 يتميز ببروز «الأكراد» كقوة أو كلاعب إقليمي على مسرح يمتد من العراق الى سورية وتركيا، ففي تركيا عادت المواجهات على الأرض بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني بعد صفعة الانتخابات التي لم يتأخر أردوغان في ردها وبعد انهيار مشروع التسوية، وفي العراق يجدد رئيس الإقليم الكردي مسعود البارزاني الدعوة الى قيام دولة كردية مستقلة وإجراء استفتاء شعبي عليها، معتبرا أن الفرصة مناسبة جدا لمثل هذه الخطوة التاريخية التي انتظرها الأكراد طويلا، ومنطلقا من وقائع وحقائق لم تعد خافية على أحد في مقدمها واقع التفكك الراهن في العراق، وضعف السلطة المركزية، وانفجار ملف الطائفية والاتنية، وتعاظم نفوذ الأكراد في العراق وتعزيز قدراتهم العسكرية والاقتصادية الى درجة رفعوا معها حكمهم الذاتي الى مرتبة تصل الى «الاستقلال» في كل شيء إلا الاسم.
وفيما تتردد أصداء موقف بارزاني، يقول برهم صالح المسؤول الكردي البارز إن «سايكس بيكو جديدة تلوح في الأفق، ويجب أن نعمل ليكون لنا تأثير في رسم موقعنا الحقيقي وأن نكون لاعبين لا ملعوب بنا من قبل الآخرين».
أكراد العراق كانوا أول وأكثر المستفيدين من التدخل الأميركي العسكري في العراق منذ العام 2003، وجاءت الحرب الدولية ضد تنظيم «داعش» لتشكل مجال إفادة جديدة لهم بعدما أثبتوا قدرة على محاربة هذا التنظيم ودحره، فانهالت عليهم المساعدات العسكرية والمالية، وأكراد سورية يبدو أنهم أكثر المستفيدين من التدخل العسكري الروسي في سوريا منذ العام 2015، وأيضا في الحرب الدولية ضد «داعش» والتي تدور أيضا على أرض سورية، حيث لـ «داعش» معقل رئيسي هو الرقة.
«أكراد سورية»، (يسيطرون على نحو 15% من الأراضي ولديهم نحو 35 ألف عنصر مسلح بين جيش وشرطة، وأعلنوا قيام إدارة ذاتية في العام 2013 موزعة على عدة مناطق ومحافظات ومدن، وهم يعدون الأقرب الى أوجلان وأكراد تركيا منهم الى البارزاني وأكراد العراق)، هم حاليا في أفضل وضع لهم وفي لحظة تاريخية مثالية.
فهم يحظون بدعم مزدوج من روسيا والولايات المتحدة ويشكلون أحد أهم القواسم المشتركة بين هاتين الدولتين في سوريا: واشنطن ترى فيهم قوة موجودة على الأرض وقادرة على أن تشكل رأس حربة ضد «داعش»، وموسكو ترى فيهم حليفا موضوعيا وواقعيا لنظام الأسد، وكلاهما يحاربان ليس فقط «داعش» وإنما المعارضة بكل فصائلها التي تريد إسقاط الأسد ولا تعترف تحت ضغط تركي بموقع الأكراد وخصوصيتهم وشراكتهم في القرار.
العلاقة الروسية مع أكراد سورية صارت مكشوفة وعلنية.
وآخر تجلياتها أمس الاول افتتاح مكتب تمثيلي لهم (أكثرهم مرتبطون بحزب الاتحاد الديموقراطي) في موسكو في خطوة رمزية معبرة تواكب السعي الروسي الى إشراك الأكراد في مفاوضات جنيف رغم رفض تركيا التي تعتبر حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا رديفا لحزب العمال الكردستاني وتنظيما إرهابيا.
العلاقة الأميركية مع أكراد سورية ليست خافية من أشهر طويلة، وتحديدا منذ الدعم الجوي في معركة كوباني، وآخر تجلياتها زيارة الموفد الخاص للرئيس أوباما في التحالف الدولي الى كوباني وتصريحات الخارجية الأميركية بأن حزب الاتحاد الديموقراطي ليس حركة إرهابية، وهو ما أدى الى أن يخرج أردوغان عن طوره منددا بالسياسة الأميركية التي بدعمها للأكراد الإرهابيين تحول المنطقة الى بركة دماء.
أما علاقة الأكراد بالنظام السوري، فإنها ترسم على الأرض عبر تعاون وتنسيق «أمر واقع» بين الوحدات الكردية والجيش السوري بعدما أعادت العملية الواسعة بريف حلب الشمالي رسم الخريطة الميدانية في الشمال المفتوح على تركيا، ووجد الأكراد في هذا التطور فرصة للتقدم الى مناطق محاذية لمناطق نفوذهم ما جعلهم على تماس مباشر تقريبا مع الجيش السوري.
وكما حصل في ريف حلب الشمالي من عمليات متزامنة، فإن السيناريو نفسه متوقع حصوله في ريف حلب الشرقي حيث سيطرت القوات الكردية على منطقة سد تشرين واتجهت نحو مدينة منج التي تعتبر أبرز معاقل تنظيم «داعش» هناك، وحيث يتابع الجيش السوري ضغطه على «داعش» في منطقة الباب ليصبح التنظيم بين فكي كماشة، ومن الواضح أن الأكراد يستغلون جبهات القتال التي فتحها الجيش السوري لتحقيق تقدم ميداني من شأنه أن يعيد رسم خريطة الشمال ويحاولون قضم المناطق بشكل سريع سعيا لتحقيق مكاسب ميدانية يمكن استعمالها لاحقا على طاولة المفاوضات، مستغلين واقع أن الجيش السوري لن يدخل في صدام معهم في الوقت الحاضر ولديه أولويات أخرى.