المدرسة كيان متكامل لا نستطيع تحقيق غاياتها دون ان يكون كل عضو فيها فاعلا ويؤدي دوره المنوط به على أكمل وجه، فالإتقان والحرفية يؤديان إلى تحقيق نتائج إيجابية.
ومن الركائز الموجودة في كيان المدرسة المرشد الاجتماعي والمرشد النفسي وعلى الرغم من عدم التركيز على أهمية الدور الذي يلعبه الاخصائي الاجتماعي أو النفسي إلا أن دورهما يمثل قاعدة العملية التعليمية التي من دونها لا نستطيع من تحقيق نتائج التعليم المرجوة وأهداف وسياسة المدرسة.
فحتى نضمن ان يتعلم الطالب ويتفوق في دروسه وتتم تنشئته وفقا لسياسة التربية المرجوة في الدولة لا بد ان يكون هناك قاعدة بيانية لدى الاخصائي الاجتماعي للتعرف على حياة كل طالب خارج سور المدرسة.
فكيف يعيش هذا الطالب بين أسرته، طبيعة الحياة الأسرية المحيطة به، هل يعيش مع اب وأم؟ ام أن احدهما قد توفي او حدث انفصال بينهما أدى إلى ان يعيش مع احد والديه بعيدا عن الطرف الآخر او انه لا يعيش مع احد والديه وقد يكون مع الجدة من طرف الأم او الأب او الخالة أو العمة.
الأمر الآخر هل تتوافر حياة كريمة لهذا الطفل داخل منزله؟ بمعنى هل توجد له غرفة مستقلة أو ان احد أشقائه يشاركه غرفته او غير الأشقاء، هل يتوافر لدى الطالب المأكولات التي يحبها ويرغب في شرائها؟ هل يخصص له مصروف يومي للتمكن من شراء ما يرغب في شرائه سواء كان حلويات أو مأكولات او حتى ألعابا تستهويه للعب بها.
من جانب آخر، هل يجد هذا الطالب من يطهو له طعامه ويحضر له الوجبات الرئيسية بانتظام سواء كانت الأم او عاملة المنزل، أو متى ما كان يسكن مع غير والدته هل يوجد من يعد له الطعام الذي يشتهيه ويعتني بترتيب هندامه؟ فضلا عن ذلك هناك جانب مهم في حياة أي طالب وهو هل يخرج هذا الطالب للتنزه ويلهو مع أقرانه في أيام مخصصة للعب حتى ولو كان يوما واحدا في الأسبوع؟ أم انه لا يجد من يعتني بترفيهه ومراعاة نفسيته ومحاولة إبهاجه وإدخال السرور إلى نفسه.
إن التحقق من هذه الأمور السالفة الذكر قد يجدها البعض ثانوية وهامشية ومتوافرة لدى الأغلبية ولكن هناك فعلا من لا يجد اساسيات الحياة الكريمة والاستقرار الأسري الذي يجعله طالبا فائقا.
فمتى ما توافرت لهذا الطالب ركائز الحياة الرئيسية نستطيع ان نقول ان المنزل الذي يعيش فيه ملائم لهذا الطالب بنظرة أولية لتوافر اساسيات الحياة الكريمة.
الأمر الآخر الجو الأسري المحيط به هل يعيش في أجواء مستقرة؟ أم انه يوجد في منزله صراخ مستمر ومشادات سواء بين الأبوين او مع الأسرة التي يعيش معها في غياب والديه، فهل يوجد عراك جسدي يحصل أمام هذا الطالب ام ان الاحترام والود يسودان العلاقة بين أفراد الأسرة وهل يتعرض هذا الطالب للضرب المبرح ام انتهاج مبدأ الضرب في التعامل معه بصورة مستمرة.
إن ضرورة توافر الأجواء الاسرية المستقرة لها انعكاس كبير على استقرار الطالب نفسيا وتركيزه في دروسه الذي لن يتحقق إلا من خلال الاستقرار الأسري الذي يؤدي الى شعوره بالسكينة.
إن أغلب الجرائم والعنف والانحرافات السلوكية التي نشهدها لدى من نسميهم مجرمين وهم بالأصح أطفال الأمس الذين تم الإجرام بحقهم فأصبحوا مجرمين اليوم نظرا للبيئات الاجتماعية غير السليمة التي كانت تحيط بهم في صغرهم والتي أكسبتهم سلوكيات خاطئة بعد أن كبروا.
وغالبا ما يدفع المجتمع ثمن مثل هذه الإفرازات للأسر غير المستقرة اجتماعيا وفشل الزوجين في حياتهم الزوجية، وغير ذلك من الأمور التي تؤدي الى التسرب من التعليم في مراحل مبكرة، التشرد في الشوارع وأمراض نفسية تؤدي الى ارتكاب جرائم قد تصل الى حد الإرهاب والقتل وغيرهما من المصائب التي نجدها محيطة بمجتمعاتنا.
لذا فإن دور الاخصائي الاجتماعي يعتبر الإبرة الوقائية من الأمراض والإفرازات التي قد تنتج نتيجة لعدم استقرار الأجواء الأسرية المحيطة بالطلبة، فقبل ان يصل الطالب الى المرشد النفسي علينا ان نحميه من ان يصل إلى مرحلة الخضوع لجلسات علاج نفسي وتحطمه داخليا نتيجة الظروف الخارجية المحيطة به.
لذا، من الضروري ان يتم تفعيل دور الاخصائي الاجتماعي بحيث يكون لديه معلومات دقيقة ومفصلة لكل طالب تمكنه من التعرف على حياة هذا الطالب خارج اسوار المدرسة ومحاولة معالجة الأوضاع السيئة لبعض الطلبة.
إن كلمة دولة وكيان الدولة لا ينبني على قواعد خيالية لا تلامس ارض الواقع، نحن دائما نردد اننا في دولة مؤسسات ولا يمكننا ان نعتبر الأسرة ليست مؤسسة، فهي مؤسسة اجتماعية تحت رقابة الدولة وعين الحكومة عليها، بحيث لا يوجد شيء اسمه حرية مجردة بحيث يرتكب الآباء جرائم بحق أبنائهم ثم نقول ان هذه حرية شخصية، فهذه ليست بحرية شخصية حتى ان هذا الطفل الذي يولد لأبوين هو ليس مملوكا لهما فهو ملك الله سبحانه وتعالى وعلينا تجاهه واجبات وعليه حقوق بعد ان يكبر، وهو تحت رقابة وعين الدولة.
بحيث لا نريد الاستمرار في الكوارث البشرية التي نشهدها والتي غالبا ما يدفع ثمنها أناس أبرياء بسبب جرائم أشخاص لم يطلهم القانون الحالي من المسؤولية الجنائية لدى حدوث جرائم فغالبا ما يعاقب القانون المجرم الذي ارتكب الجريمة سواء حدث او ناضج ولكن مهندسي هذه الجرائم الذين تسببوا فيها نجدهم خارج اطار المسؤولية الجزائية مع انهم هم الذين اشعلوا فتيل الحرائق.
لذا فمن الضروري ان يتم تفعيل صلاحيات وأدوات المرشد الاجتماعي لتصل إلى حد رفع الدعاوى في المحاكم على الأسر التي تتسبب في أضرار اجتماعية ونفسية لأبنائها بحيث يتم تشريع قانون يتم من خلاله منح صلاحيات للمدرسة بأن تقوم بصفتها بمقاضاة أحد أولياء الأمور نتيجة ممارسته الخاطئة التي ينتهجها تجاه أبنائه التي متى ما استمر في سلوكياته الخاطئة التي ينتهجها فهي بالتالي ستعمل على التأثير سلبا على الطالب وتعريضه للانحراف مستقبلا أو بالتأثير السلبي على تحصيله العلمي وإلحاق أضرار نفسية خطيرة به.
الأمر الآخر متى ما قام الاخصائي الاجتماعي بدراسة الحياة الأسرية المحيطة بالطالب وكان الأبوان مثاليين في سلوكهما إلا ان ظروفهما المادية لا تساعدهما في توفير حياة سليمة لهذا الطالب، هنا من الممكن أن يتم اقتراح بتأسيس صندوق للطالب لتلقي دعم من الجهات الخيرية لمساعدة طالب العلم على اكمال مسيرته التعليمية ويكون ذلك الأمر بسرية تامة وبمتابعة من قبل الاخصائي الاجتماعي لضمان وصول هذه المساعدات لأسر الطلبة المتعففين غير القادرين على توفير حياة كريمة لأبنائهم.
إن ضمان مفهوم المواطنة الصالحة لا يأتي من الفراغ بل من خلال مواجهة كل التحديات التي تحول بين تحقيق هذا المفهوم فالعناية بالأطفال في سن صغيرة ومنذ المراحل التعليمية الأولى ستجني الدولة ثمارها في المستقبل من خلال مواجهة كل التحديات التي كانت ستحول هذا الطفل من شخصية قيادية بارزة ناجحة في المستقبل إلى احد المنحرفين الفاشلين اجتماعيا وعلميا والتي غالبا ما تعود أسبابها إلى اوضاع أسرية وبيئية واجتماعية تولد الفشل والفشلة عوضا عن النجاح والناجحين.
إن مشاكل الأبوين غالبا ما يدفع ثمنها ابنائهما فنجد انه وان لم يكن هناك انفصال فعلي ظاهر للعيان فيكون الوالدان منفصلين داخل أسوار المنزل بحيث ينزوي الزوج في غرفه منفصلة عن زوجته ولا يتبادلان الأحاديث الودية بينهما ولا يشاركان بعضهما بعضا في التشاور في مصير ابنائهما بحيث يعيش كل من في البيت دون رقيب ودون ان يكون هناك راع لهذا البيت أو في حالات أخرى يكثر الشجار وتبادل الضرب بين الزوجين دون ان يمسك أحدهما بجماح غضبه لتهدئة الموقف وغالبا ما تكون تلك المشادات أمام الأبناء بحيث تعلو أصوات الصراخ في المنزل والتي إما أن تكون بسبب الزوج أو الزوجة أو ان كليهما معا تسببا في وقوع مثل هذه المشاجرات.
إن سوء اختيار الطرفين بعضهما لبعض وعدم تحديد ملامح واضحة للشروط التي لابد ان تكون متوافرة في شريك الحياة غالبا ما تؤدي الى مثل هذه الصراعات التي سببها قلة احترام الزوجين بعضهما لبعض واستهتارهما بالعلاقة الزوجية التي لها خصوصيتها واحترامها ومتطلباتها وواجباتها المفروضة على الطرفين.
إن أول أسس الاختيار السليمة التي لابد ان يحرص عليها الطرفان في وجودها في الطرف الآخر هو الالتزام الديني حيث إن المرء منا هو المسؤول الأول عن نجاح العلاقة الزوجية أو فشلها من خلال حسن الاختيار الذي يأتي بعد التوكل على الله سبحانه وتعالى بحيث يقوم الرجل باختيار زوجته ليس لأجل جمالها أو مالها او نفوذها، ولكن على أساس أخلاقها ودينها وقدرتها على تربية أبنائها على قدر من الاحترام والتدين والالتزام الأخلاقي وتعتمد في تربيتها على نفسها بالدرجة الأولى وليس على المربية.
وكذلك الأمر متعلق بالنسبة للمرأة وأجدها هي الأهم من الرجل في الاختيار بحيث لا تقبل بالزواج من رجل فاشل لا دين وأخلاق له، ويكون معيار اختيارها لشريك حياتها ليس المال والجاه بل سمعة هذا الرجل وأخلاقه التي تتشرف بأن يكون والدا لأبنائها.
وهذا الأمر يكون للاخصائي الاجتماعي دور به من خلال المدرسة وبالأخص في المرحلة الثانوية من خلال المحاضرات التثقيفية التي يعدها للطلبة والطالبات باستضافة اهل العلم والمعرفة لشرح أساسيات اختيار شريك الحياة المثالي، وعن حقيقة دور كل من الرجل والمرأة، بحيث تكون هذه الأمور راسخة في اذهانهم منذ المراحل الأولى لحياتهم حتى يتم توعيتهم بالدور المستقبلي الحقيقي المنوط بهم وبأنهم أجيال اليوم ومربي اجيال الغد
الأمر الآخر الذي لابد ان يكون للاخصائي الاجتماعي دور فيه هو متابعة حالات الطلبة للأسر التي حدث بها انفصال بين الزوجين والتحقق من أن الأب يزور ابناءه ويحرص على مضي وقت معهم وأنه يقوم بمتابعة أمورهم وذلك لأنه في كثير من الحالات يطلق الأب الأبناء بمجرد تطليقه لزوجته، وكذلك هناك حالات تقوم الأم المطلقة بالتخلي عن ابنائها فلا تزورهم ولا تتابع امورهم وتحرمهم من عاطفة الأمومة وأحضانها كأم، فتقوم برميهم كما قامت برمي والدهم خلف اسوار الماضي.
رأي الشرع
وحول حقوق الأبناء على الآباء أشار الشيخ محمد عبدالله سالم ـ إمام وخطيب في وزارة الأوقاف الكويتية ـ الى أن النصوص الشرعية قد نبهت لوجود مسؤولية على الآباء تجاه ابنائهم فورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (يأيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة- التحريم:6) وطلب الوقاية للأبناء من النار دليل على مجمل المسؤولية المطلوبة من الآباء.
وورد في السنة النبوية قول النبي ژ «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» .
هذا بالمجمل، وأما بالتفصيل المختصر: فهناك مسؤولية تتعلق بجوانب عدة تبدا من بداية تكوين الأسرة (قبيل ولادة الأبناء) باختيار الشريك المناسب أخلاقيا واجتماعيا، ثم المسؤولية المالية بالنفقة مع اهلال المولود للدنيا ثم رعايته صحيا وجسديا (التربية الصحية) ورعايته تربويا وتهذيبيا (التربية الأخلاقية والاجتماعية) ورعايته فكريا واعتقادا (التربية الدينية والفكرية)، ورعايته تعليميا وتثقيفيا (التربية العلمية) مع مراعاة استخدام أفضل الأساليب المناسبة في كل زمان ومكان، حيث كان الإسلام يحث على الرحمة والعدل والحكمة في تربية الأبناء، فهذا مجمل حقوق الأبناء على الآباء، ومن لطيف ما يروى في هذا المجال ما ذكره ابو الليث السمرقندي في كتابه «تنبيه الغافلين»، وروي عن عمر ÿ أن رجلا جاء اليه بابنه فقال: إن ابني هذا يعقني، فقال عمر رضي الله تعالى عنه للابن: اما تخاف الله في عقوق والدك، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أما للابن على والده حق؟ فقال: نعم، حقه عليه ان يستنجب امه ـ يعني لا يتزوج امرأة دنيئة لكيلا يكون للابن تعيير بها ـ ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب، فقال الابن: فوالله ما استنجب أمي، ولا أحسن اسمي، ولا علمني من كتاب الله آية واحدة! فالتفت عمر رضي الله تعالى عنه الى الأب وقال: تقول ابني يعقني! فقد عققته قبل أن يعقك.
من جانب آخر، هناك عقوبات تقع على الوالدين أو أحدهما في حال إهمالهم لأحد ابنائهم فهناك عقوبة في الآخرة بسبب الإهمال والتقصير فقد اخبرنا سيدنا محمد ژ فقال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك ام ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن اهل بيته» (النسائي وابن حبان).
فسيتم السؤال وفي حالة التقصير الشديد هناك محاسبة لأن رعاية الأبناء وحقوقهم أمانة لا ينبغي تضييعها إلا أن النصوص الشرعية لم توضح حدود او نوع العقوبة في الآخرة بحيث يكون أمرها لله سبحانه
أما في الحياة الدنيا فإهمال الوالدين أو احدهما لحقوق الأبناء يعطي الحق للقضاء الشرعي بالتدخل، فإن كان التقصير في مجال النفقة فيتم إجبار الأب على النفقة لتحصيل مال النفقة للأبناء وفي مجال الصحة يلزم الآباء بمتابعة صحة ابنائهم.
ولا مانع شرعا من فرض عقوبات تحت بند التعزير عند التقصير وفي مجال التربية الأخلاقية لو قصر الآباء بشكل واضح أو كان محيط البيئة في المنزل سيئا مفسدا للطفل فيمكن ان يصل القضاء الشرعي لإسقاط الحضانة أو الكفالة حفاظا على حياة الابن أو اخلاقه.
صحيح أن هذا الجانب لا يفعل سوى عند جنون أحد الوالدين أو سجنه، لكن ينبغي أن تقوم الدولة بإنشاء هيئة مراقبة تربوية تعطي نصائح وتوجيهات وارشادات وتتدخل حين تجد فسادا بارزا أو إهمالا متعمدا متكررا وقد تتدرج في المتابعة والعقوبة حتى تصل لسحب الابن من الأهل عند تردي الحياة وأساليب الرعاية.