الوطن العربي أصبح كتلك القرية التي قيل إنها كانت تفقد بعض أبنائها بسبب حفرة عميقة يسقط فيها المارة، فلما ازداد عدد الموتى بسببها اجتمعوا وبعد نقاشات ومشاورات ومحاورات وأخذ ورد اتفق الأغلبية منهم على ضرورة توفير مركز إسعاف عند تلك الحفرة لكي يتم نقل المصابين في أسرع وقت ممكن، فلطالما كان الوقت الطويل الذي يستغرقه وصول المسعفين سببا في ارتفاع نسبة ضحايا تلك الحفرة، في حين كانت الأقلية ترى أن هذا الحل لا يقوم على أسس علمية وفهم للواقع وأن الرأي هو أن يتم تشكيل لجان متخصصة لكي تحل المشكلة بنسبة نجاح عالية وعلى اللجنة أن تضم بين أعضائها خبراء في الجيولوجيا والتاريخ والفلسفة والاقتصاد والهندسة والصحة والأشغال والشريعة والنقابات والشباب ووجهاء من أعيان القرية... وتشكلت لجان أخرى للتحضير للاجتماع ولجان متابعة ولجان إعلامية ولوجستية... وقائمة اللجان طويلة أطول من أعناق أعضائها.
وبعد طول انتظار كانت محصلة تلك اللجان والندوات والاجتماعات أن الحل هو إنشاء مستشفى بقرب الحفرة!
وليس هذا القرار هو العجيب ولكن رضا أهل القرية وفرحهم به هو الأعجب. ولو أنك تأملت واقعنا العربي لوجدت أننا غير بعيدين عن أهل تلك القرية، فكثير من القضايا الرئيسة التي تمس بشكل مباشر حرية الإنسان وكرامته وفكره ورزقه وصحته تعالج بسطحية وسذاجة، وأننا مبدعون في الحديث عن القضايا الثانوية والمشكلات الفرعية والحوم حول بؤرها الرئيسة دون أن نقترب حتى منها، فسبحان من علم الكفار كيف يعيشون في الدنيا، ولله في خلقه شؤون!
[email protected]