في العام 1979 بدأت رحلتي العملية كطبيب متدرب ثم مقيم عملت خلالها في معظم مستشفيات البلاد.
بالرغم من افتتاح خمسة مستشفيات حديثة وعلى أعلى مستوى من التجهيز، فقد كان ضعف المستوى العلمي للأطباء والتمريض وفني المختبر ظاهرا بجلاء مع إهمالهم لقواعد العلاج العالمية في العيادات والحوادث، ما كان يؤدي إلى تراكم أعداد كبيرة من المرضى امام طبيب متواضع المستوى في العيادة الخارجية فيضطر لإهمال الفحص والاكتفاء بتكرار نفس الدواء وبنفس الجرعات وللعجلة في إدخال المرضى للأجنحة تفاديا للخطأ فتزدحم الأجنحة.
يمتد تردي المستوى ليشمل طواقم الخدمات المساندة والتي قد تقود الطبيب محدود المعرفة والاخلاص الى تشخيص خطأ بسبب خطئها في قياس الضغط أو قراءة التحاليل المخبرية، ولقد قابلت شخصيا العديد من مرضى السكري وضغط الدم شخصوا خطأ وتلقوا علاجا لا يحتاجونه لسنين طويلة بسبب قراءات الممرضة او الفني الخاطئة وإهمال الطبيب للمراجعة بعدهما! فإذا أضفنا الى هذا اشتراطات وزارة الصحة التي تتخذها بمعزل عن إدارة المستشفيات مثل تقييدها صرف الدواء بمدة شهرين فقط بينما لا يحتاج المريض للمراجعة قبل 6 شهور مما يزيد عدد المراجعين بشكل غير مباشر.
قبل أيام وجدت كتاب مذكراتي الذي كنت أدون فيه يومياتي بما فيها أحداث العمل وسأروي أحداث أسبوع منها مررت بها خلال تخصصي في كلية الطب بجامعة لندن بمستشفى تشارنج كروس أملا في ان نكتسب المفيد منها ونتوقف عن غير النافع:
الاثنين: حدثني زميل لي عن نيته ترك ممارسة الطب إلى الإدارة الطبية، المدخول أكبر وساعات العمل أقل! وتساءلت: لم لا؟!
الثلاثاء: كنت مكلفا بزيارة المرضى في بيوتهم لتقليص أعداد مراجعي المستشفى وتحويل المحتاج فقط، مما يوفر في عدد الأسرّة، فقد كانت الأجنحة مكتظة بسبب تحويل حالات الجراحة إلى أجنحتنا في قسم الباطنية مما حرم العديد من مرضانا من الدخول، تجربة رائعة ومفيدة.
الأربعاء: استدعينا على عجل لوجود حالة اشتباه توقف للقلب عند أحد مرضانا، غادرنا جريا إلى الجناح أنا ومعي الطبيب المقيم الذي أشرف عليه وهناك كان المريض ينظر الى الفراغ من على كرسيه ولا يستجيب لنا، سحبه زميلي للأرض لفحصه وإسعافه ووقفت أراقبه لكوني المشرف عليه لتقييم عمله ولأتدخل عند الحاجة، قال لي: لا نبض عنده مما يعني إجراء إنعاش القلب باليد ثم بالكهرباء، وفيما زميلي يستعد أسر لي استشاري القسم بعد ان فحص بنفسه نبض المريض - وقد تصادف وجوده هناك - بأن المريض في حالة غيبوبة مؤقتة وقلبه ينبض بصورة طبيعية! فصرخت في زميلي آمره بالتوقف وتعاملت أنا مع الحالة فأنا أكثر خبرة وتأهيلا منه، بعدها لم أتوقف لمرة واحدة عن التأكد من حالة المرضى بنفسي.
الخميس: اليوم هو موعد العيادة الخارجية كانت لدي 5 حالات جديدة و8 مراجعات (يصل العدد في الكويت الى 40) انتهيت منها وذهبت للمكتبة ثم لاجتماع القسم الدوري.
الجمعة: كان عملي لفترة الصباح في الحوادث ثم علي المشاركة في اجتماع القسم للنقاش حول اخر بحث او كتاب قرأه كل منا واستعراض اي حالة معقدة مرت على أحدنا خلال الأسبوع الفائت.
٭ ملاحظة: لقد أغفلت ذكر المناوبات والتي تبدأ من انتهاء العمل في الخامسة مساء وحتى صباح اليوم التالي وبمعدل خفارة كل ثالث يوم لضيق المساحة وعموما لا تزيد ملاحظاتي عنها عما ذكرته سابقا.
[email protected]