طالعتنا الصحف الصادرة الأسبوع الفائت بتقريرين، أحدهما يتحدث عن ازمة اقتصادية ومالية تعاني منها البلاد مستندا إلى عجز الميزانية المتزايد منذ العام 2013 دون حلول عملية له، واقترح الخصخصة الشاملة لكل أجهزة الدولة كعلاج لهذه الازمة، واحتوى الآخر على اجابة لرئيس البرلمان ووزيرة المالية يؤكدان فيها متانة الاقتصاد رغم ان العجز في ميزانية 20-2021 سيبلغ رقما قياسيا قدربـ 9.2 مليارات دينار، وينفيان اي توجه لخفض الرواتب ويقران باستمرار الدولة في الاقتراض لتغطية العجز، وبالطبع فلا الخصخصة العشوائية غير الدستورية ولا خفض الرواتب هما الحل وهو ما سنتناوله هنا بشكل مقتضب.
حقيقة الأمر ان اقتصاد البلاد يعاني من ازمة واضحة يؤكدها عجز الميزانية وتقديرات مؤسسات تصنيف الائتمان الدولية فضلا على التراجع في مركز اقتصاد البلاد من الـ50 الى الـ58 على العالم، وعموما فإن الاقتصاد الذي يحتل المركز الـ58 ويعتمد في معظمه على مصدر وحيد للدخل هو بيع النفط الخام المعرض لتقلبات الاسعار العالمية والمهدد بنقص الطلب عليه فضلا على كونه ثروة ناضبة لا يمكن ان يكون اقتصادا قويا ولا يغير الرديف الثانوي محدود الاثر وهو دخل استثمارات الصندوق السيادي من ذلك رغم كونه الاول في العالم وبدأ برأسمال اعلى من معظم الصناديق التي جاءت بعده بعشرات السنين الا انه مستمر في المركز الرابع وعاجز عن التقدم عليه.
ان الازمة المالية التي تعاني منها الميزانية العامة للدولة والتي تعزوها الحكومة لزيادة بند الرواتب ليست بكارثة طبيعية فاجأت الحكومة فأعجزتها، بل هي تسلسل طبيعي مرت وتمر بها سائر الامم النامية خاصة الريعية منها فالسكان في ازدياد طبيعي وغير طبيعي تصحبه زيادة في الاعباء والتكاليف على الدولة بما في ذلك زيادة في القوى العاملة وبالتالي زيادة في الرواتب ولدى الدولة العلم بهذا والقدرة على توقعه كميا بعمليات حسابية وإحصائية تمكنها من الاستعداد لهذه الزيادات، الا ان القصور في الإدارة وما يصحبه من مظاهر كالهدر في الانفاق والفساد وغياب الاستراتيجية العلمية في التخطيط هي أمور تجعل زيادة الرواتب تظهر كالعبء المفاجئ على الدولة.
ان الحلول والمعالجات لهذا التراجع يسيرة ومتعددة سواء على المستوى الآني او الآجل وفي مقدمتها وقف الهدر والفساد المالي، واستغلال عوائد صندوقي الاستثمار السيادي والتنمية، والاقتراض، كما ويمكن استعادة الأموال المودعة في الخارج كمساعدات واستخدامها لتعزيز الميزانية، فضلا عن فرض الضرائب على الشركات وأصحاب الدخول شديدة الارتفاع بما يتفق وروح ونص المادة 24 من الدستور المنظمة لفرض الضرائب.
الا ان هذه تبقى حلولا آنية مؤقتة ولابد من دعمها بالحلول الحقيقية طويلة الأمد واهمها تنويع مصادر الدخل بداية بالتصنيع النفطي والذي يضاعف سعر برميل النفط عشرات المرات ويضمن استمرار الطلب عليه وثبات سعره، وتطوير الصندوق السيادي واعتماد الشفافية في اعماله والاستعانة بخبرات النرويج الدولة الرائدة فيه والاولى على العالم، وتبني الاقتصاد المعرفي، وتطوير التعليم وتوجيهه لخدمة سوق العمل والتصنيع، استقطاب وتشجيع الاستثمار الاجنبي والاستعجال بتنفيذ الاتفاقية الصينية، وأخيرا تطبيق الضرائب التصاعدية وفقا للدستور ان اقتضت الحاجة.
[email protected]