وقفت عربة محملة بمجموعة من الثوار في ساحة بمنطقة سان بطرسبورغ بعد 8 أشهر أمضوها في السجن متأملين انتهاء محنتهم، حياهم الكاهن وخلفه الجنود وعربات تقل التوابيت وأمامهم منصة الإعدام التي اقتيدوا إليها، تقدم ضابط ليتلوا حكم الإعدام وكان من ضمن المحكومين الكاتب والروائي فيودور دوستيفسكي الذي جاءته أفكار عديدة في لحظة: إذا لم أمت، إذا لم أقتل، ستبدو حياتي فجأة لا نهائية، أبدية كاملة، كل دقيقة ستصبح قرنا من الزمن، سأعير انتباهي لكل ما يحدث، لن أهدر ثانية واحدة من حياتي بعدها.
أسدلت أغطية الرأس وتقدم الكاهن ليتلوا الشعائر الأخيرة رفع الجنود بنادقهم وفجأة وصلت عربة إلى الساحة ترجل منها رجل يحمل مغلفا أخرج منه رسالة، في اللحظات الأخيرة خفف القيصر العقوبة إلى أربع سنوات من الأشغال الشاقة في سيبيريا، تأثر دوستيفسكي بالحكم وكتب إلى أخيه: «حين أنظر إلى الماضي وأفكر في تلك السنوات التي أهدرتها في الخطأ ينزف قلبي ألما، الحياة هبة، كل دقيقة فيها يجب أن تكون أبدية من السعادة! فقط لو يعرف الشباب ذلك، الآن ستتغير حياتي الآن سأولد من جديد»، يراه أصدقاؤه بعد انتهاء مدة الحكم وهو يمشي في شوارع سان بطرسبورغ متمتما في الحوارات غارقا في شخصياته وقصصه وصار يكتب مؤلفا رواياته بلا توقف.
في حقيقة الأمر أن تلك الإجراءات التي أعدت للإعدام لم تكن سوى مسرحية ابتكرها القيصر بأدق التفاصيل أغطية الرأس والكاهن والجنود والتوابيت ليلقن الشباب الثوار درسا، تلك المسرحية الجادة ولدت حالة استفاقة أشبه ما تكون بانبعاث جديد، قد تأتينا لحظة حاسمة على شكل صدمات نفسية أو حوادث صحية أو تدهورات سياسية تكون نقطة فارقة وشرارة للتغيير، تجعلنا نقدر قيمة الحياة نركز أولوياتنا، نهتم أكثر بأسرنا نرمم بها علاقاتنا، ندرك بأن أعمارنا قصيرة جدا أقصر من أن نضيعها في توافه الأمور والهفوات.
ويبقى التساؤل المهم: هل ننتظر مسرحا ينصبه لنا قيصر أم نبادر إلى التغيير؟