أستكمل مقال الأسبوع الماضي في الحديث عن القرآن الكريم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، فالقرآن الكريم ليس مجرد كتاب يُقرأ من أجل العبادة، وإنما هو عالم من المعرفة والفكر الذي يرتقي بصاحبة للأفضل، من تواضع وأخلاقيات وسلوكيات ونفسية جميلة يتميز بها المسلم عن سائر الخلق، ونلاحظ اليوم الجميع دون استثناء متعلما ومثقفا ومحيطا بالكثير من علوم المعرفة، ولكن نادرا ما نجد متعلما تبلورت شخصيته على أساس علمه، والسبب يرجع إلى نوعية الفكر المغروس في الأساس من البيئة والمدرسة، فالناس متعلمون مثقفون ولكن لم يتبلور العلم في شخصيتهم، فالعلم بالنسبة لهم بريستيج وراتب ووظيفة، ولكن القلة من الناس من تجد علمه متبلورا في فكره وشخصيته، فتجده رغم علو مرتبته العلمية إلا أنه أكثر الناس تواضعا وأكثر الناس خلقا وخدمة للمجتمع الذي يعيش فيه بإخلاص وتفان، وتلك هي نفسية الفرد المسلم التي يطمح لها ديننا الإسلامي.
وأستكمل علوم القرآن الكريم للمقال السابق:
٭ علم النبات: قال الله تعالى في محكم كتابة الكريم (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون.. الأنعام: 99)، تبين الآية الكريمة دورة حياة النبات، حيث ينبت النبات من بذرة لها خصائصها، ومن ثم تحتاج لفترة الكمون في رطوبة ودرجة حرارة معينة وماء، حتى ينبت الجنين وتنبت النبتة (البادرة)، ومن ثم ينبت الساق بالطول حتى تصبح نبتة كاملة يخرج منها الثمر والبذور اللازمة لدورة حياتها من جديد، وقوله (والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه) أي تشابه ورق شجر الرمان والزيتون ومختلف في شكله وطعمة.
٭ طب: يقول الحق تبارك وتعالى (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.. الحج: 46)، اكتشف العلم الحديث أن القلب ليس مجرد مضخة للدم وإنما هو مركز عقل وتعقل، فقد اكتشف أن في القلب هرمونات عاقلة ترسل رسائل عاقلة إلى الجسم كله، واتضحت الصورة مع أطباء زراعة القلب حيث اكتشف أن الشخص الذي تمت زراعة القلب له تتغير نفسيته وتفكيرة تبعا لصاحب القلب المزروع، فسبحانه وتعالى الذي أعجز بعلمه كل شيء.
وهناك الكثير من العلوم التي تعطي فكرا وثقافة وانبهارا لصاحب العلم والتي للأسف لا يسعها مقال ولا كتاب بل مجلدات، فالأسرة لها دور قوي ومباشر في توجيه أبنائها، وعليه رسالة للآباء والأمهات في غرس الفكر السليم في عقول أبنائهم، وذلك من خلال تعلم علوم القرآن والتفكر بها، وأن العلم ليس فقط من أجل تيسير شؤون الإنسان في العصر الحديث من وظيفة وراتب، وإنما العلم علو في الشأن والخلق، فكلما زاد الفرد علما زاد خلقا وفهما للحياة ورقيا وإيمانا وتقربا لله عز وجل.
[email protected]