يُعرف التطوع بأنه الجهد الذي يبذله الإنسان بلا مقابل لخدمة مجتمعه في شتى المجالات مما يسهم في تطوره وشيوع روح التكافل بين أفراده.
ويمكننا قياس مستوى وعي المجتمع من خلال انتشار ثقافة التطوع فيه، كما تقوم كثير من المؤسسات والشركات بالمفاضلة بين المتقدمين لأي وظيفة من خلال حساب ساعات التطوع التي قدمها الفرد، لما للتطوع من أثر على الفرد والمجتمع.
فمن خلال التطوع يمكن للإنسان أن يحقق رضا الله تعالى إن كانت نيته مخلصه له، كما يستطيع أن يطور مهاراته ويكتشف نقاط قوته، إضافة لزيادة خبراته وتعزيز ثقته بنفسه وتحقيق الرضا عن ذاته، وتوسيع شبكة علاقاته الاجتماعية واستثمار وقته بما يعود بالنفع عليه وعلى الآخرين.
ويحقق التطوع التكافل والتعاون في المجتمع مما يدعم الوحدة بين أفراده، ويقوي أواصر العلاقات وتذوب من خلاله الاختلافات لتحقيق الهدف المشترك، ويخفف عن الدولة كثيرا من الجهد ويوفر لها موارد إضافية خاصة في أوقات الأزمات، كما يساهم في استقرار المجتمع وتوجيه طاقات الشباب فيكون سببا في الحد من السلوكيات السلبية والمنحرفة.
ولا يقتصر التطوع على العمل الخيري الإغاثي فقط، بل يمتد إلى مجالات متعددة وأشكال مختلفة كالتطوع في المجال البيئي أو الاجتماعي أو النفسي أو التعاوني أوأثناء الأزمات، وهذا ما شاهدناه جليا حين هب أبناء الكويت للتطوع خلال جائحة (كورونا) بفعل غير مستغرب من أبناء هذا البلد الذي جبل على العطاء والبذل.
وبين الحين والآخر ترتفع بعض الأصوات التي تنادي بصرف مكافآت مالية للمتطوعين نظير الخدمات التي قدمت، مما يعد تشويها لقيمة التطوع وتفريغا لها من محتواها وسلخا لفلسفتها التي تقوم على العطاء والبذل دون مقابل، غير مدركين لآثار هذه المطالبات، فهم بذلك يؤسسون لمفهوم جديد بعيدا كل البعد عن التطوع، كما أنها ستؤدي إلى عزوف المتطوعين وابتعادهم من خلال توقع المقابل المادي، أو مقارنة الجهد الذي سيبذلونه بما سيقدم لهم، وفي الحقيقة فإن الإنسان الذي يبذل صحته ووقته في سبيل فكرة آمن بها لا يمكن أن تفيه الأموال مقابل هذا الإيمان، وارتباط العمل الجماعي بالنظير المادي قد يؤدي لانخفاض قيمة الولاء والانتماء للوطن فيصبح العمل من أجل غاية دنيوية وليس خدمة وعطاء للوطن.
إن التطوع قيمة سامية ترتفع بالإنسان عن ملذات الدنيا وتسمو به في فضاءات التجرد والعطاء والبذل، والسعي لرسم الابتسامة على شفاه المحتاجين، والمساهمة في تطور المجتمع، فلنحافظ عليها ونزرعها في نفوس أبنائنا ونغرسها من خلال المناهج الدراسية لنحقق النفع للفرد والاستقرار للمجتمع.
[email protected]