- إصلاح النظام الضريبي وتعديل الرسوم الحكومية وإعادة تسعير أملاك الدولة.. أصبحت ضرورة مُلحّة
- انخفاض العجز الفعلي عن المتوقع بالميزانية لا يعكس التحسن في الأداء المالي للدولة.. والإدارة المالية لم تتخذ إجراءات فاعلة لمعالجة الاختلالات
- توقعات بتسجيل الموازنة بالسنة المالية 2020 /2021 عجزاً بنحو 13.8 مليار دينار
- ثقافة تمويل عجز الموازنة العامة من خلال إصدار سندات حكومية.. ليست بجديدة
- تحفُّظ الديوان على أرصدة البنوك.. سبب عدم تعبير الحساب الختامي عن المركز المالي
- رقابة «مجلس الأمة» على القروض التي تعقدها الدولة.. باستثناء قروض «البترول»
- رصد الديوان في تقريره 113 مخالفة وهي فقط التي تنطبق عليها أحكام المساءلة والمحاكمة
- الديوان لم يبرز في تقريره أثر ومدلولات حجم المخالفات من حيث العدد كأحد مؤشرات أدائه
- الديوان لم يدرج أي توصيات بشأن التكليف الخاص بالتحقيق في محاور أحد الاستجوابات
- رأي الديوان بخضوع تعاقدات التعزيزات العسكرية لـ «المراقبين الماليين».. في غير محله قانوناً
بقلم بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
أنجز ديوان المحاسبة تقريره السنوي عن السنة المالية 2019 /2020 في ظل ظروف استثنائية نتيجة لما عكسته آثار انتشار جائحة فيروس كورونا على أعمال الدولة منها المالية والرقابية، حيث أعد الديوان تقريره بجزئه الأول ليكون متسقا مع الموعد الدستوري لتقديمه وفقا لما أفاد به الديوان.
وقد احتوى التقرير الذي تجاوز عدد صفحاته الـ 300 صفحة، على العديد من الموضوعات التي تغطي إطار عمل الديوان وفقا لاختصاصاته الواردة بأحكام قانون إنشاء ديوان المحاسبة وتعديلاته رقم 30 لسنة 1964.
ولأهمية دور ديوان المحاسبة وتقاريره الدورية التي يصدرها كونه الجهاز الرقابي الأول على مستوى السلطة التشريعية والذي يعنى بحماية المال العام، قد رأينا من المناسب ان نسلط الضوء على أهم ملامح ومؤشرات التي وردت في هذا التقرير وانعكاساتها وذلك على النحو التالي:
نتائج الإدارة العامة
أسفر تنفيذ ميزانية السنة المالية للدولة للسنة المالية 2019 /2020 عن وجود عجز فعلي بلغ 3.9 مليارات دينار، وعلى الرغم من انخفاض مقدار العجز بنحو 1.2 مليار دينار تقريبا عن السنة المالية السابقة، إلا اننا نرى ان ذلك الانخفاض لا يعكس تحسنا بالإدارة المالية للدولة، لأن ذلك كان نتيجة لقرار إعادة النظر في آلية تنفيذ قانون احتياطي الأجيال القادمة، حيث عطل القانون 18 لسنة 2020 والذي أقره مجلس الأمة مؤخرا اقتطاع نسبة 10% من الإيرادات العامة للدولة عن كل سنة لحساب احتياطي الأجيال القادمة.
لذا، يتطلب الأمر الأخذ بعين الاعتبار اثر هذا التعديل على مؤشرات أداء الإدارة المالية العامة للدولة، بحيث لا يعتبر مثل هذا التخفيض مؤشر أداء إيجابيا وذلك لعدم ارتباطه بتحسن أداء الإدارة المالية، وانما بتغيير سياسة من السياسات المالية هذا من جانب، ومن جانب آخر نظرا لعدم ظهور نتائج العمليات المالية بالحساب الختامي للإدارة العامة للدولة على حقيقتها نتيجة لعدم تحميل السنة المالية بجميع مصروفاتها، وتحميلها بمصروفات لا تخصها (سنوات مالية سابقة)، الأمر الذي يؤثر على اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية للدولة والمؤسسات المالية المحلية والدولية للوضع المالي للدولة.
وعلى الرغم من هذا التعديل التشريعي كان له أثر إيجابي على تخفيض حجم العجز السنوي في الميزانية العامة للدولة، إلا ان مثل هذا القرار كإجراء إصلاحي ليس هو الحل الوحيد لمعالجة انعكاسات مثل هذا العجز، حيث ان الإصلاح المالي يتطلب تنفيذ حزمة من الإجراءات الإصلاحية، ولا تزال الاختلالات الهيكلية بالموازنة العامة للدولة مستمرة وذلك لاعتماد الدولة على مصدر وحيد وناضب للإيرادات وهو إنتاج النفط، والذي يعتبره الديوان مؤشرا على عدم تحسن أداء الإدارة المالية للدولة وفق نهج الإصلاح الاقتصادي والمالي، والذي يتطلب بذل الإدارة المالية للدولة المزيد من الجهد وتبني برنامج شامل للإصلاح والتنوع الاقتصادي وزيادة الإيرادات غير النفطية هذا من جهة، ومن جهة أخرى تركيز الصرف العام على النفقات الجارية والتي تمثل 90% من إجمالي النفقات على حساب النفقات الرأسمالية، وقد استنزفت المرتبات وما في حكمها بالإضافة الى الدعم الحكومي ما نسبته 70% من جملة تلك النفقات، وتتركز الدعومات بشكل أساسي في دعم الطاقة والوقود ثم بعد ذلك الدعم الصحي بنسبة 58% و16% على التوالي.
غياب الإصلاحات
وفي هذا الصدد، نود التأكيد على ما يميز ديوان المحاسبة كجهاز رقابي هو ما يتمتع به من استقلالية ومهنية عالية ومصداقية ما جعل منه جهازا فنيا محايدا يعتمد عليه في اتخاذ القرارات المالية الاستراتيجية على مستوى الدولة، لذلك يجب ان تأخذ ملاحظات وتوصيات الديوان بعين الاعتبار في قضايا الإصلاح الاقتصادي والمالي، حيث يؤكد الديوان في تقريره على عدم بذل الإدارة المالية للدولة للإصلاحات اللازمة لتحسين البيئة الاقتصادية وتعظيم مصادر الإيرادات غير النفطية، وذلك بما يخالف أهداف الدولة في سياسات الإصلاح المالي والاقتصادي.
هذا، ويوصي ديوان المحاسبة بضرورة العمل على تنويع مصادر الإيرادات العامة بما يحقق الاستقرار في الأوضاع المالية للدولة، وذلك من خلال إصلاح النظام الضريبي وزيادة الإيرادات الضريبية بالإضافة الى تعديل رسوم الخدمات الحكومية وإعادة النظر في تسعير الاستخدامات المختلفة لأملاك الدولة.
لذا، وبرأيي على مجلس الأمة ان يأخذ بعين الاعتبار رأي ديوان المحاسبة المحايد والداعم الى حد كبير للتوجهات الحكومية بإصلاح النظام الضريبي وإعادة النظر في سياسة أسعار الخدمات، وما يستلزم ذلك من قيام المجلس بمناقشة ديوان المحاسبة بشأن رأيه هذا قبل رفض أي مقترحات حكومية بهذا الشأن، لمعرفة الرأي الفني والموضوعي لديوان المحاسبة بصفته الجهاز الفني الذي يعاون مجلس الأمة.
هذا ولاسيما ان هناك تقارير مالية واقتصادية توقعت في حال استمرار أداء الإدارة المالية للدولة على هذا النحو، سوف تسجل الموازنة العامة للسنة المالية 2020 /2021 عجزا يقدر بحدود 13.8 مليار دينار في ظل الانخفاض الكبير في معدل أسعار النفط بسبب انعكاسات آثار وباء كورونا اقتصاديا وماليا، أي ما يزيد على نسبة 350% من العجز الفعلي لموازنة السنة المالية 2019/2020، وهذا يعد مؤشرا متوقعا مخيفا لتجاوزه أكثر من نصف الموازنة العامة للدولة.
علما أن وزارة المالية أعلنت ان الميزانية العامة للدولة للعام الحالي 2020/2021 قد سجلت في الربع الأول منها عجزا بقيمة 1.3 مليار دينار والتزامات مالية بحكم المصروف بلغت نحو 733.3 مليون دينار (2 مليار تقريبا).
الدين العام
تضمن تقرير ديوان المحاسبة قسما يتعلق بمتابعة الدين العام للحكومة، ويأتي هذا التقرير في سياق تكليف مجلس الأمة للديوان في هذا الشأن، حيث تقوم الحكومة بإصدار السندات الحكومية لسداد العجز بالموازنة العامة من جهة، ومن جهة أخرى تقوم مؤسسة البترول الكويتية بعمليات الاقتراض لتمويل مشاريعها، وفيما يلي بعض الجوانب، التي نرى إبرازها في هذا الشأن:
٭ تقوم الحكومة باستخدام السندات لتغطية العجز في السيولة المالية لتنفيذ الميزانية العامة للدولة، فما يتم طرحه في الآونة الأخيرة من حاجة الدولة لقانون الدين العام لسد عجز الموازنة لا يعتبر امرا جديدا، فثقافة تمويل عجز الموازنة العامة للدولة من خلال السندات الحكومية ثقافة قديمة منذ صدور المرسوم بقانون رقم 50 لسنة 1987 وتعديلاته بشأن الإذن للحكومة بالاقتراض.
٭ أظهر التقرير إجمالي رصيد الدين العام في 31/12/2019 مبلغ 4.5 مليارات دينار تقريبا مقارنة مع إجمالي رصيد الدين العام في 30/6/2019 البالغ 5.4 مليارات دينار تقريبا بانخفاض 900 مليون دينار.
٭ نظرا لانتهاء سريان المرسوم بالقانون المشار إليها تم اللجوء الى السحب من صندوق الاحتياطي العام لسد تلك العجوزات ما تسبب بالضغط على الصندوق وعدم تحمله بالاستمرار في سد تلك العجوزات، حيث انخفض صافي أصول الاحتياطي العام بمقدار 5.9 مليارات دينار تقريبا أي بنسبة 24.6%، الامر الذي اتخذت الهيئة العامة للاستثمار بسببه قرارا بتحويل أصول من صندوق الاحتياط العام الى صندوق احتياطي الأجيال القادمة بقيمة 2 مليار دينار تقريبا كحل مؤقت.
٭ نظرا لانعكاسات عجز الموازنة العامة للدولة وعدم إدارة هذا الملف بالشكل المطلوب انعكس على تخفيض إحدى مؤسسات التصنيفات الائتمانية لتصنيف الكويت مرتين خلال 3 شهور.
٭ تجدر الإشارة الى انه توجد رقابة من قبل مجلس الأمة على القروض التي تعقدها الدولة وذلك استنادا الى المادة 136 من الدستور والتي تعقد القروض العامة بقانون، إلا انه لا توجد رقابة مسبقة من قبل مجلس الأمة على مؤسسة البترول الكويتية في هذا الشأن، حيث ان قانون إنشائها رقم 6 لسنة 1980 وفق المادة 5 منه يجيز للمؤسسة الاقتراض من الحكومة او المؤسسات المالية التابعة لها، وعقد القروض وإصدار السندات في الأسواق المالية المحلية والخارجية بعد موافقة مجلس الوزراء، حيث وافق مجلس الوزراء على خطة اقتراض المؤسسة خلال الخطة الخمسية (2018/2019 - 2022/2023) بحدود 12 مليار دينار.
المخالفات المالية
يقسم ديوان المحاسبة المخالفات المالية التي يرصدها الى ثلاثة أنواع، وهي مخالفة مالية بطبيعتها، ومخالفة مالية بحسب آثارها، ومخالفة مالية حكما، وقد حدد المادة 52 من قانون إنشاء الديوان الحالات التي تعتبر مخالفة مالية وهي 8 حالات، والتي تستوجب المساءلة والمحاكمة وفق أحكام قانون إنشاء الديوان.
وتجدر الإشارة الى ان عدد الدعاوى المنظورة لهيئة المحاكمة التأديبية خلال السنة المالية المعنية 6 دعاوى، 5 منها تخص الوزارات والإدارات الحكومية ودعوى واحدة تخص هيئة ملحقة.
وتمثل المخالفات المتعلقة بالرقابة المسبقة نسبة 48% تقريبا بعدد 49 مخالفة، في حين تمثل المخالفات التي تنطوي تحت المادة 52 من القانون نسبة 52% تقريبا بعدد 64 مخالفة، وبشأن المخالفات التي رصدها ديوان المحاسبة خلال السنة المالية المذكورة وضمنها تقريره، نود بيان الآتي بشأنها:
٭ تعتبر حجم المخالفات التي ترصدها الأجهزة الرقابية أحد اهم المؤشرات التي تبرز عمل وأداء تلك الأجهزة، إلا ان الديوان برأيي لم يعمل على إبراز ذلك بالشكل المطلوب، حيث لم يوضح الديوان أثر ومدلولات حجم المخالفات (العدد) التي قام برصدها.
٭ من الأهمية ان يتم عمل مقارنات سنوية للمخالفات التي يرصدها الديوان حتى يتم إبراز المؤشرات سواء كانت إيجابية او سلبية والتي تتعلق بقياس مدى تحسن أداء الجهات الحكومية للحد من مخالفاتها.
٭ ان حجم المخالفات من حيث العدد تعتبر من المؤشرات التي يقاس عليها الأداء سواء من قبل الجهة الرقابية او الجهة الحكومية الخاضعة لرقابة الديوان، فالأطراف ذات الصلة بالتقارير التي تصدرها الجهات الرقابية وعلى وجه التحديد مجلس الوزراء ومجلس الأمة تأخذ بعين الاعتبار مثل هذا المؤشر (عدد المخالفات) ومقارنتها مع مؤشرات الجهات الرقابية الأخرى، على سبيل المثال جهاز المراقبين الماليين وقطاع رقابة شؤون التوظف بديوان الخدمة المدنية، فإذا ما كان هناك أي تفاوت واضح فيما بينها دون توضيح أسباب هذا التفاوت من خلال تحديد منهجية عمل الجهاز الرقابي في تحديد او رصد مخالفاته، فان تلك المقارنة تلقي بظلالها سلبا على قراءة تلك المؤشرات، وهذا ما حصل قبل سنوات عندما تسببت المقارنة ردة فعل من قبل مجلس الوزراء والذي بدوره أصدر قرارا بشأن هذا الموضوع.
٭ وفق توضيح ديوان المحاسبة في تقريره بشأن مفهوم المخالفة المالية تأسيسا على أحكام قانون إنشائه والتي تستوجب المساءلة والمحاكمة، فإنه فقط تلك المخالفات التي رصدها الديوان في تقريره والبالغ عددها 113 مخالفة على مستوى الجهات الخاضعة لرقابة الديوان هي التي ينطبق عليها أحكام المساءلة والمحاكمة، وفيما عدا ذلك فإن كل ما يذكر في تقرير الديوان على مستوى الجهات الخاضعة لرقابة الديوان والذي سيتم إصداره لاحقا (الجزء الثاني)، فإنه يأتي ذكرها من منطلق الملاحظات التي لا تستوجب المساءلة وهي غير ملزمة للجهات، حيث انها في وجهة نظري تعتبر من باب الرأي والرأي الآخر (رأي الديوان والجهة الخاضعة لرقابة الديوان بشأن الملاحظة)، وتكون تلك الملاحظات تحت نظر لجنة الميزانيات والحساب الختامي بمجلس الأمة، وتصدر بشأنها توصيات من قبل اللجنة وتعرض على الجلسة العامة لمجلس الأمة ليتم أخذ قرار بشأنها.
التكليفات
استعرض ديوان المحاسبة التكليفات التي قام بتنفيذها خلال السنة المالية بناء على طلب السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وذلك استنادا لأحكام قانون إنشاء ديوان المحاسبة، وقد أنجز الديوان 21 تكليفا خلال السنة المالية، حيث استعرض الديوان بتقريره موجزا لتلك التكليفات من حيث النتائج والتوصيات، وفيما يلي انطباعاتنا على ما جاء بتقرير التكليفات:
٭ أسفرت نتائج التكليفات عن رصد الديوان مخالفات وقعت فيها الجهات الحكومية والتي تندرج ضمن أحكام ديوان المحاسبة، وتستلزم بشأن تلك المخالفات المساءلة والمحاكمة التأديبية، إلا ان الديوان لم يوضح بشكل قاطع دوره في الإجراءات التي سيقوم باتخاذها تجاه تلك المخالفات وفقا لأحكام قانون إنشائه، حيث ان هذه التكليفات لا تمنع من ان يقوم الديوان بدوره في حال تبين له وجود مخالفة أثناء قيامه بتلك التكليفات، كما أن في رأيي لا يستلزم الأمر ان ينتظر الديوان توصيات مجلس الأمة بشأن نتائج تلك التكليفات، حيث ان الديوان ملزم بتطبيق أحكام قانون إنشائه من دون انتظار ما تسفر عنه توصيات المجلس.
٭ أدرج الديوان النتائج التي أسفرت عنها التكليفات والتوصيات بشأنها، إلا انه كان من المستغرب أن الديوان لم يدرج أي توصيات بشأن التكليف الخاص بالتحقيق بشأن محاور استجواب وزير التجارة والصناعة ووزير الدولة لشؤون الخدمات في كل الجهات التي يتولى مسؤوليتها والبالغة 5 محاور، على الرغم من ذكر الديوان بتقريره انه أصدر كتابه بهذا الشأن متضمنا النتائج والتوصيات.
٭ أبدى الديوان رأيه حيال الآثار المترتبة على الحساب الختامي للسنة المالية 2017/2018 نتيجة عدم إجراء المطابقات النقدية بين الجهات الحكومية ووزارة المالية، حيث أكد الديوان ما جاء في ملاحظاته بتقرير السنة المالية المعنية 2019/2020، أن رأيه ان الحسابات الختامية للجهات المعنية لا تعبر تعبيرا صادقا عن حقيقتها، كما أكد على تحفظه بشأن رصيد البنوك (بنك الكويت المركزي، بنوك أخرى محلية، بنوك أخرى أجنبية) في تقريره عن السنة المالية 2017/2018.
ملاحظات «المراقبين الماليين»
٭ تضمنت التكليفات بعض الموضوعات التي أثارها جهاز المراقبين الماليين بتقاريره السنوية، الأمر الذي يوضح مدى أهمية الملاحظات التي يثيرها جهاز المراقبين الماليين، وهي محل اهتمام مجلس الأمة، وهذا ما أكده الديوان بتقريره من نتائج وتوصيات بشأن التكليف بدراسة التوسع في الاستعانة بخدمات المستشارين في مكتب وزير التجارة والصناعة ووكلائه، والتكليف الخاص بفحص بعض عقود وزارة الكهرباء والماء المبرمة مع بعض المتعهدين المتعلقة بأعمال التشغيل والصيانة لمحطات الوزارة.
٭ تضمنت التكليفات دراسة وتقييم تجربة بعض الجهات الحكومية في تدريب غير موظفيها، وورد ضمن النتائج التي وصل إليها الديوان ان تلك الجهات المعنية بالدراسة ساهمت في إعداد البرامج التدريبية وذلك من منطلق المسؤولية الاجتماعية، لكن لم يوضح الديوان فيما إذا كانت تلك الجهات الحكومية تستند الى تشريع في قانون إنشائها يسمح لها بتدريب غير موظفيها، وهل التكاليف التي تتكبدها تلك الجهات في سبيل تنفيذ تلك البرامج التدريبية تستند الى أساس قانوني؟ أم ان منطلق المسؤولية الاجتماعية يعتبر سندا قانونيا لتنفيذ مثل تلك البرامج؟ لذلك هذا الموضوع باعتقادي لم يغط بشكل متكامل من قبل الديوان، وان كنت لا أتفق مع الديوان في ان موضوع تدريب غير موظفي الجهات الحكومية لا يستند الى أساس قانوني لعدم اختصاص تلك الجهات في ممارسة مثل هذا النشاط.
٭ ورد ضمن التكليفات تكليف يتعلق بإعداد تقرير بنتائج فحص الحساب الختامي والتعاقدات الخاصة بميزانية التعزيزات العسكرية لوزارة الدفاع للسنتين الماليتين 2017/2018 و2018/2019، وقد ورد ضمن ملاحظات الديوان في هذا الموضوع عدم اعتماد الحساب الختامي لميزانية التعزيزات العسكرية من قبل جهاز المراقبين الماليين، كما نختلف مع الديوان بشأن هذه الملاحظات، حيث إن مصروفات التعزيزات العسكرية ليست ضمن الجهات الخاضعة لرقابة جهاز المراقبين الماليين، كما انه في حقيقة الأمر لم يصدر قانون بميزانية التعزيزات العسكرية ضمن الميزانيات العامة للدولة، أما القانون رقم 3 لسنة 2016 فيختص بالإذن للحكومة في أخذ مبلغ من الاحتياطي العام للصرف على التعزيزات العسكرية، فالصرف أصلا يعتبر خارج إطار الميزانيات العامة للدولة.
الدراسات والبحوث
في إطار دور ديوان المحاسبة الرقابي، من طبيعة الديوان كجهاز فني انه يهتم بإجراء الدراسات والبحوث في مجال عملة واختصاصاته، والتي بلا شك ذات مردود إيجابي على العمل، سواء على مستوى الديوان أوالأجهزة الحكومية ومؤسساتها وما يتبعها من وحدات إدارية.
كما تأتي تلك الدراسات في سياق دور الديوان في تقييم الأداء، سواء أداء الجهات الحكومية بوجه عام، أو بعض الأنشطة التي تقوم بها، وتتضمن تلك الدراسات نتائج ومدلولات في غاية الأهمية في إطار تحسين أداء الأجهزة الحكومية والأنشطة والأنظمة بها، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة أن يوضح الديوان انعكاسات نتائج وتوصيات تلك الدراسات على عمله، خاصة في حال تضمنت نتائج الدراسات ما يعد مخالفة جسيمة وفق لأحكام قانون إنشاء الديوان.
هذا، وقد أنجز الديوان 11 دراسة متخصصة في عدد من المجالات، وقد تضمنت الدراسات دراسة تتعلق بإعداد تقرير بشأن الرد على ما جاء في التقرير النهائي للفريق المكلف من مجلس الوزراء بشأن معالجة تضخم حساب الأصول المتداولة (العهد)، ويبدو أن تلك الدراسة ذات طابع خاص وتختلف عن بقية الدراسات الأخرى التي أعدها الديوان، حيث ان تلك الدراسة مرتبطة بتكليف سابق من قبل مجلس الوزراء للديوان بهذا الشأن، وتأتي دراسة الديوان تلك تعقيبا على ما جاء في تقرير الفريق المذكور والذي كان إطار عمله ما جاء في تقرير الديوان عن تكليفه بالموضوع نفسه.
وقد جاءت نتائج دراسة الديوان بشكل مغاير لنتائج فريق المكلف من مجلس الوزراء، حيث أكد الديوان قيام الجهات الحكومية خلال السنتين الماليتين 2017/2018 و2018/2019 بالصرف تجاوزا على اعتمادات بنود ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية بمبالغ تجاوز 480 مليون دينار تقريبا حسبما أمكن حصره من قبل الديوان، بما يؤكد مخالفة حكم المادة 146 من الدستور والقوانين المنفذة لها.
كما جاءت الدراسة لتؤكد أيضا ظهور العمليات المالية بالحساب الختامي للسنتين الماليين المذكورتين بشأن عجز الإدارة المالية العامة على غير حقيقته الأمر الذي أفقد الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة مصداقية وسلبه أهميته كونه الوثيقة الوحيدة التي تعكس المركز المالي للدولة التي يتم الاستناد إليها في اتخاذ القرارات المالية والاقتصادية للدولة وقراءة المؤسسات المالية المحلية والدولية للوضع المالي للدولة.
مبادئ الحوكمة
اهتم ديوان المحاسبة في السنوات الأخيرة بمبادئ الحوكمة وبشكل خاص بالقطاع الحكومي حيث يعزى الديوان اهتمامه هذا لتدني مستوى أداء الجهات الحكومية وضعف الإنتاجية والمنظومة الرقابية وغياب المسؤولية، الأمر الذي أدى الى ظهور تضارب المصالح وحالات الفساد المالي والإداري.
ويأتي اهتمام ديوان المحاسبة لمبادئ الحوكمة لمتطلبات الإدارة الرشيدة والإصلاح الإداري والمالي والتطوير المؤسسي، والتي تأتي أيضا في سياق رؤية الكويت 2035 والتي تتضمن تبني نظام حوكمة شامل وفعال للقطاع العام بجميع مستوياته، حيث عرف الديوان في تقريره لمفهوم الحوكمة وأهدافها في القطاع العام والشركات، وكذلك الإطار القانوني والتشريعي لمبادئ حوكمة القطاع العام والتي تنطلق من دستور الكويت والقوانين وقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة.
٭ ختاما.. قد وضحنا تلخيصا للمؤشرات التي عكسها تقرير ديوان المحاسبة السنوي للسنة المالية 2019 /2020، متضمنا الملاحظات على ما جاء بتلك المؤشرات ومدلولاتها، علما ان الأجزاء الأخرى من التقارير المزمع إصدارها من قبل الديوان لاحقا على مستوى الجهات والمؤسسات الحكومية سوف تبرز تفاصيل لما احتوى عليه الجزء الأول من التقرير.
1149 عقداً لجهات حكومية فحصها «المحاسبة»
أفرد ديوان المحاسبة قسما عن نتائج فحصة ومراجعته للعقود وفقا للقانون رقم 25 لسنة 1996 في شأن الكشف عن العمولات التي تقدم بالعقود التي تبرمها الدولة خلال السنة المعنية، وقد فحص الديوان عدد 1149 عقدا تم إبرام موزع على الجهات التالية:
٭ الــوزارات والإدارات الحكومية: 755 عـــقدا، منــها 47 عـــقدا لم تلتزم الجهات بإدراج النص المتعلق بالعمولات وفقــا للــقانون، بنسبة التزام 94%، وقد برزت في كل من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة التربية ووزارة الصحة ووزارة المالية والديوان الأميري.
٭ الجهات ذات الميزانيات الملحقة: 125 عقدا، منها 21 عقدا لم تلتزم الجهات بإدراج النص المتعلق بالعمولات وفقا للقانون بنسبة التزام 83%، وقد برزت في جامعة الكويت والإدارة العامة للإطفاء.
٭ الجهات ذات الميزانيات المستقلة: 105 عقود، منها 4 عقود لم تلتزم الجهات بإدراج النص المتعلق بالعمولات وفقا للقانون بنسبة التزام 96%، وقد انحصرت في الهيئة العامة للصناعة.
٭ الشركات: 164 عقدا، منها 23 عقدا لم تلتزم الجهات بإدراج النص المتعلق بالعمولات وفقا للقانون بنسبة التزام 86%، وقدر برزت في الخطوط الجوية الكويتية وشركة نقل وتجارة المواشي.
ويتــضح من خلال تقرير ديوان المحاسبة في هذا الشأن عدم التزام عدد من الجهات الحكومية بأحكام للقانون رقم 25 لسنة 1996 في شأن الكشف عن العمولات، وكذلك عدم تعاون بعض الجهات مع الديوان في توفير بعض العقود الأمر الذي يضع تلك الجهات تحت طائلة المحاسبة والمساءلة القانونية وفقا لأحكام قانون إنشاء الديوان.
113 مخالفة مرصودة من ديوان المحاسبة
رصد الديوان عدد 113 مخالفة مقسمة على إدارات ديوان المحاسبة المعنية، وهي:
٭ إدارة الرقابة على الوزارات والإدارات الحكومية (60 مخالفة).
٭ إدارة الرقابة على الشركات (14 مخالفة).
٭ إدارة الرقابة على الجهات الملحقة (19 مخالفة).
٭ إدارة الرقابة على الجهات المستقلة (20 مخالفة).
مبادئ الحوكمة.. غير مفهومة للجهات الحكومية
أبرز الديوان نتائجه في شان مدى جاهزية الجهات المشمولة برقابته لتحقيق متطلبات مبادئ الحوكمة، وفيما يلي الملاحظات على نتائج الديوان:
٭ نتفق مع منهجية الديوان بشأن أهمية الاهتمام بمبادئ الحوكمة في القطاع العام، وذلك لما لها من اثر في تعزيز المصداقية بالإجراءات الإدارية والمالية بالجهات الحكومية، الا انه براينا ان ثقافة مبادئ الحوكمة والتي أوردها الديوان بتقريره والبالغ عددها 8 مبادئ غير واضحة ومفهومة للجهات الحكومية، الأمر الذي يستلزم إيضاح تلك المفاهيم والمبادئ لتلك الجهات لكي تستطيع ان تحسن أداءها في هذا الشأن، ولعلي هنا استذكر منهجية عمل جمعية الشفافية الكويتية عندما كانت تصدر مؤشراتها السنوية عن الجهات الحكومية، حيث كانت تقوم بعقد لقاءات دورية مع الجهات الحكومية في هذا الشأن، والغرض من تلك اللقاءات هو توضيح مؤشرات الشفافية وكيفه تحسين أداءها بالجهات قبل إصدار تقريرها السنوي.
٭ لم يوضح التقرير المؤشرات عن نتائج مدى الالتزام بمبادئ الحوكمة كنسبة على مستوى كل الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة، في حين تم توضيح تلك المؤشرات على مستوى الجهات ذات الميزانيات المستقلة، حيث أظهرت هيئة أسواق المال في مقدمة الجهات بنسبة 100% ومؤسسة الموانئ الكويتية في ذيل الجهات بنسبة 25.4%.
٭ لم يتبين مدى اثر انعكاسات مؤشرات مدى الالتزام بمبادئ الحوكمة على أداء الجهات الحكومية في الجزء الثاني لتقرير ديوان المحاسبة والذي مزمع إصداره لاحقا، فهل يعني ذلك ان مؤشرات الجهات ذات الميزانيات المستقلة على سبيل المثال كهيئة أسواق المال لم يرصد بشأنها أي مخالفات مالية لحصولها على نسبة التزام 100%؟ في حين ان مؤسسة الموانئ الكويتية من أكثر المؤسسات التي رصدت بشأنها مخالفات مالية لحصولها على نسبة التزام 25.4%؟
مصداقية البيانات المالية للدولة.. محل تحفظ!
من الأهمية ان تتمتع البيانات المالية للدولة بالموثوقية بما يعزز مصداقية تلك البيانات المالية وتعبيرها تعبيرا صادقا عن الحساب الختامي للدولة، وقد كانت هناك إشارات واضحة من قبل ديوان المحاسبة في شان مدى دقة البيانات المالية ومصداقية الحساب الختامي، حيث تبين للديوان الآتي:
٭ عدم إدراج العديد من المبالغ المصروفة على أبواب الميزانية وبقائها بالحسابات الوسيطة (العهد)، نتيجة لعدم التزام الجهات الحكومية بالاعتمادات المالية المقررة لها واللجوء الى الحسابات الوسيطة، الأمر الذي يعد مخالف للأحكام المنظمة سواء الواردة بأحكام الدستور او القوانين المنظمة للشؤون المالية بالدولة.
٭ ظهور حسابات ضمن الحسابات المالية بغير طبيعتها.
٭ وجود استمارات مالية مكررة وملغاة ولا تعكس الأرصدة الفعلية.
٭ وجود تباين في قيمة أملاك الدولة العقارية ما بين ما هو مسجل بالحساب الختامي وما هو موضح بالجداول الإيضاحية للحساب الختامي.
٭ عدم مراعاة الجهات الحكومية لدقة إعداد بيانات الحساب الختامي على الرغم من تكرار تلك الملاحظات لأكثر من سنة مالية، وفي ظل عدم تدخل وزارة المالية في هذا الشأن.
هذا ما انعكس سلبا على عدم تعبير الحساب الختامي للدولة عن نتائج تنفيذ الميزانية تعبيرا صادقا عن المركز المالي، الأمر الذي عليه تحفظ ديوان المحاسبة على ذلك نظرا لتشكيله قدرا لا يستهان به من المخاطر التي يتعرض لها المال العام، وبرأيي كان على ديوان المحاسبة ان يوضح مدى مادية هذه المخاطر، ودرجة أثر مثل هذه الاختلالات على جودة البيانات المعروضة بالحساب الختامي للدولة، خاصة ان مثل تلك البيانات محل نظر أطراف ذات صلة سواء كانت محلية او خارجية.
5 ملاحظات ناتجة عن رقابة «المحاسبة» المسبقة
وفقا لأحكام قانون إنشاء ديوان المحاسبة، فإن الارتباطات بأنواعها تخضع لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة وفقا للنصاب المحدد بتلك الأحكام، وقد أبرز الديوان في تقريره ملاحظاته على رقابته المسبقة، وكان من أهمها ما يلي:
1- عدم التزام بعض الجهات الحكومية بدراسة العطاءات الفنية المحالة اليها من قبل الجهاز المركزي للمناقصات العامة، وتقديم التوصية بشأنها خلال المدة المحددة قانونا، ما تسبب بضرر للمال العام حددها الديوان بقيمة 8.5 ملايين دينار تقريبا في الوزارات والإدارات الحكومية.
2- عدم التزام الجهات الحكومية بإرسال كافة أوراق المناقصات وما يتصل بها من وثائق ومستندات.
3- طول المدة التي تستغرقها بعض الجهات لعرض موضوعاتها على ديوان المحاسبة بعد صدور قرار الترسية.
4- عدم تطبيق أحكام القوانين واللوائح والتعاميم التي تنظم أعمال الشراء.
5- ارتباط الجهات مسبقا قبل العرض على ديوان المحاسبة، مخالفة بذلك لأحكام قانون إنشاء ديوان المحاسبة بهذا الشأن، وقد رصد الديوان 50 موضوعا لم يتم عرضهما بقيمة 50 مليون دينار تقريبا، وان مثل تلك المخالفات تستوجب المساءلة وتأديب المسؤولين وفقا لقانون إنشاء الديوان.
هذا، وقد حقق ديوان المحاسبة وفورات مالية نتيجة لرقابته المسبقة بقيمة 35.5 مليون دينار تقريبا بزيادة قدرها 15% عما هو عليه في السنة السابقة، وتلك النتائج تعتبر أحد مؤشرات الأداء التي يقاس عليها أداء ديوان المحاسبة، بحيث يعطي مؤشرا على كل نفقة تنفق على ديوان المحاسبة يقابله وفر بالقيمة على حساب المال العام.