تعد بيئة العمل من أهم العوامل المؤثرة على أداء العاملين في أي مؤسسة، وكلما كانت البيئة صحية سليمة ومحفزة ارتفع مستوى الرضا الوضيفي، وتحققت الأهداف، وعمل الموظفون بروح الفريق الواحد الذي يسوده الوئام والاحترام والعطاء، بالمقابل إن كانت البيئة سلبية غير داعمة ومعتمدة على نشر الفرقة والتفرقة دبت الخلافات بين الموظفين، واستوطنت الأنانية، وأصبحت المصلحة الشخصية مقدمة على ما سواها.
ولعل أخطر الأمراض الإدارية التي تصيب المؤسسات وتؤدي بها إلى الفشل وتنهش في جسدها (الشللية).
بأن يقرب المسؤول مجموعة صغيرة أو أشخاصا محددين لا لتميزهم أو جودة أدائهم بل لأسباب شخصية أو علاقة خاصة أو قرابة دم أو لكونهم ممن يجيد نقل الأخبار والتملق. كما أن هناك شكلا آخر للشللية قد يتكون دون تدخل من المسؤول بأن تتجمع مجموعات صغيرة متوافقة في الآراء أو التوجهات أو المآرب لتشكل جبهة ضغط فتكون معول هدم وفشل لهذه المؤسسة.
إن خطورة انتشار (الشللية) تكمن في الآثار المترتبة عليها وانعكاساتها، فمن انتشار العلاقات المتوترة بين الموظفين، إلى المشاحنات ونقل الأحاديث غير الصادقة، إلى محاولات الإيقاع وتصيد الأخطاء، أضف إلى ذلك الظلم الذي سيقع على مجموعة كبيرة نظرا لإقصائهم، وحصول فئة صغيرة غير مستحقة على مميزات يحرم منها البقية فيسود الإحباط وتغيب الدافعية وتتفشى الأنانية، مما يؤدي بهذه المؤسسة إلى الجمود والتفكك وربما الانهيار.
لذلك فإن المسؤول الذي يتمتع بسمات قيادية يعلم أن (الشللية) هادمة لكل بناء، ويكون تعامله مع الجميع بمسافة واحدة، مع إدراكه بأن ذلك لا يتعارض مع تمييز المجتهد ومكافأته نظير عمله وإنجازه، أما المسؤول غير الواثق من إمكاناته فإنه يعتمد على نظرية (فرق تسد)، فيحرص على نشر الفرقة بين الموظفين، ومحاولة معرفة أخطائهم بشتى الطرق، ويصبح ميزانه مختلا ونظرته متحيزة، فالمقربون منه الناقلون للأخبار المادحون له ليل نهار يصيبهم نصيب الأسد من المميزات والمكافآت، كما أن أخطاءهم مغفورة وزلاتهم مسموحة وسقطاتهم مجبورة كما يقال في المثل العامي (إن حبتك عيني ما ضامك الدهر).
على كل مسؤول حريص على مؤسسته، صغرت أم كبرت، أن يكون واعيا لخطورة (الشللية) وأن يكتشف بوادرها مبكرا، ويحاول القضاء عليها في مهدها ليحل محلها العمل بروح الفريق الواحد، والتعامل بعدالة وإنصاف، ويكون المقياس هو الإنجاز والمثابرة، وليضع نصب عينيه أن المنصب زائل والكرسي غير دائم، ولا يبقى غير آثاره وسمعته (لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك).
[email protected]