- وضع الاقتصاد الكويتي الحالي غير مستدام.. ومعيشة الرفاه المعتادة لدى المواطنين مهددة بالزوال
- القطاع الخاص يعتمد العمالة متدنية المهارة ومحدودة الحقوق بدلاً من الاستثمار برفع الكفاءة الإنتاجية
- 846 ألف عامل وافد بالكويت غير متعلمين.. ونصف مليون عامل يحملون شهادة ابتدائية أو متوسطة
- سوق العمل بحاجة إلى 96 ألف وظيفة جديدة لاستيعاب المواطنين الخريجين بالأعوام الخمسة القادمة
أعدها للنشر: طارق عرابي
أطلق 29 أكاديميـــــــا متخصصا في علوم الادارة والاقتصاد بجامعة الكويت دراسة بحثية جديدة بعنوان «قبل فوات الأوان»، ناقشوا خلالها الاختلالات الحالية في الاقتصاد الوطني والحلول والسياسات اللازمة لتصحيح المسار الراهن، مؤكدين من خلال دراستهم هذه عدم استدامة الوضع الراهن دون تضحيات يقدمها الجيل الحالي.
واستعرضت الدراسة في بدايتها أهم جوانب الخلل في الوضع الاقتصادي الراهن بدءا من الاعتماد على النفط كمصدر أحادي للدخل، والاختلال في المالية العامة وسوق العمل، وضعف النظام التعليمي، والاختلال في التركيبة السكانية.
وفي الشق الثاني، تناولت الدراسة أهم ركائز الاصلاح الاقتصادي لتصحيح المسار الحالي والوصول إلى اقتصاد عادل ومستدام، وذلك من خلال التركيز على الشفافية ومكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، والاسترشاد بالدليل العلمي.
وفي جانب آخر، تطرقت الدراسة إلى أهم محاور الاصلاح الاقتصادي من خلال خمسة محاور رئيسية، الاول يتعلق باقتصاد متنوع ومستدام ومصادر دخل مساندة للثروة النفطية، والثاني إصلاح المصروفات العامة، والثالث إصلاح الاختلال في سوق العمل، والرابع الاستثمار في رأس المال البشري، والخامس إصلاح الاختلال في التركيبة السكانية.
ودعا القائمون على الدراسة والذين يمثلون مجموعة من الأكاديميين الشباب المتخصصين في المجالات الاقتصادية والإدارية في كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت، إلى حوار وطني بين صانعي القرار الاقتصادي ورواد الأعمال والباحثين العلميين وعموم المواطنين، على ان يكونوا هم أنفسهم جزءا من هذا الحوار، خاصة أن فترة ابتعاثهم للدراسات العليا كانت قد تزامنت مع فترة التعافي بعد أزمة 2008 المالية، حيث كانوا شاهدين عن قرب كيف أعادت الأزمة تشكيل النظريات والمفاهيم الاقتصادية في قاعات الدرس في الجامعات التي التحقوا بها، كما تزامنت أيضا مع ثورة عالمية في وفرة البيانات والإنتاج البحثي أسست لنهج جديد في رسم السياسات العامة مدعمة بالدليل العلمي.
وقالوا «من هذا المنطلق، نقدم هذه الرؤية لتصحيح المسار الاقتصادي، وهي بمثابة صرخة نقصد منها لفت انتباه المواطن ومجتمع الأعمال ومتخذي القرار الاقتصادي في السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى حقيقة لا جدال فيها: ان استدامة دولة الرفاه لأجيال المستقبل غير ممكنة من دون تضحيات وتنازلات يقدمها جيلنا الحالي، فالتحديات الجسام لا تواجه بالانهزامية والاستسلام، ولا بالوعود الحالمة والمنفصلة عن الواقع ومعطياته، ولعل انهيار أسعار النفط وجائحة «كوفيد ـ 19» مناسبتان لمصارحة أنفسنا بالخيارات الصعبة المحتم علينا المفاضلة بينها، فالأزمات فرصة لتقييم التجارب وتقويم المسارات يجب ألا تهدر».
واستعرضت الدراسة وضع الاقتصاد الكويتي بشكله الحالي واصفة إياه بأنه غير مستدام، وأن معيشة الرفاه التي اعتدناها منذ اكتشاف النفط مهددة بالزوال، فالتغيرات الديموغرافية المحليـــــة والتحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، والتوجه العالمي للتحول من الطاقات الهيدروكربونية الناضبة إلى الطاقات النظيفة والمتجددة، والهزات المتفرقة في السنوات الماضية كالأزمة المالية العالمية في عام 2008 وانهيار أسعار النفط وجائحة فيروس كورونا (كوفيد ـ 19)، والهزات المقبلة التي يصعب التنبؤ بها، كلها تنذر بكارثة اقتصادية ستحل بالكويت وتفضي إلى تغير جذري ودائم في حياة الكويتيين وعلاقتهم بالدولة واطمئنانهم لرفاه أجيالهم المستقبلية.
الخلل الاقتصادي
وفيما يتعلق بجوانب الخلل الاقتصادي، أكدت الدراسة أن الخلل الاول يتعلق بالاعتماد على النفط كمصدر أحادي للدخل، حيث تشكل مساهمة قطاع النفط والغاز الطبيعي في الاقتصاد الكويتي (43% من إجمالي الناتج المحلي) هي الأعلى مقارنة بدول الخليج، ويمثل النفط 91% من صادرات الكويت، بينما شكلت الإيرادات النفطية 91% من إجمالي الإيرادات العامة في العقد الماضي، بحسب بيانات وزارة المالية، هذه الحقائق تجعل الاقتصاد رهينة لتأرجح سعر النفط بفعل عوامل لا يمكن التحكم بها كالطلب العالمي والظروف الجيوسياسية.
أما ثاني جوانب الخلل، فهو ذلك المتعلقة بالاختلال في المالية العامة، حيث أكدت الدراسة أن أبلغ تعبير عن خطورة الارتباط بسعر النفط هو التقلب الكبير بالإيرادات العامة في السنوات الأخيرة، حيث سجلت الكويت عجوزات متراكمة منذ عام 2015 بلغت 28 مليار دينار ـ بحسب بيانات وزارة المالية ـ بعد استقطاع مخصصات احتياطي الأجيال القادمة ومخصصات إضافية، فيما تمثل المصروفات العامة الجانب الآخر من المشكلة، حيث قدرت بـ 21 مليار دينار في الحساب الختامي 2019/2020، وشكلت المرتبات وما في حكمها والدعوم 76% منها، أي أن الكويت تغرف من مخزونها النفطي وتوجه جل إيراداته لمصروفات جارية بعوائد تنموية محدودة.
وقدر العجز بموازنة عام 2020/2021 بـ 9 مليارات دينار، وذلك قبل احتساب الآثار الاقتصادية لانهيار سعر النفط وجائحة «كوفيد ـ 19»، أي يتوقع أن يكون العجز أسوأ بكثير، ولن تكفي زيادة الدين العام بالاقتراض لمعالجة اختلال المالية العامة، أما اعتياد السحب من احتياطي الأجيال لسد العجوزات فيعرضه لخطر النفاد في غضون جيل واحد حسب بعض السيناريوهات الواقعية لسعر النفط وعوائد الاستثمار، أو يعرض الدولة لخطر الغرق في الديون التي قد لا تنهض منها في ظل تردي ملاءتها المالية وأحادية مصدر دخلها.
اختلال سوق العمل
وفيما يتعلق بالخلل الثالث المتعلق باختلال سوق العمل، فقد أكدت الدراسة أن قوة العمل في الكويت بلغت حوالي 3 ملايين عامل ـ بحسب بيانات الهيئة العامة للمعلومات المدنية ـ يشكل الكويتيون 15% منهم فقط، ويتركز 84%من العاملين الكويتيين في القطاع الحكومي العام، أما القطاع الخاص فلا يشكل الكويتيون فيه سوى 4% فقط، ما يبين اعتماده الكبير على العمالة الأجنبية.
ويوظف القطاع العام واحدا فقط من كل خمسة عاملين في سوق العمل، حيث يوجد في الكويت موظف حكومي لكل 3 مواطنين تقريبا وهو المعدل الأدنى بين دول الخليج التي تتوافر البيانات عنها ـ عبر المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي ـ في دلالة على تضخم القطاع العام في الكويت وتدني كفاءته وما ينتج عنهما من ضغط على المالية العامة من خلال ارتفاع الصرف على الرواتب وما في حكمها، كما يؤدي تضخم الأجور النسبي في القطاع العام إلى عزوف الكويتيين عن العمل في القطاع الخاص.
ويكفي النظر لتدفق الخريجين الجدد إلى سوق العمل لفهم خطورة استمرار الاختلال فيه، إذ يتطلب توفير 96 ألف وظيفة جديدة لاستيعاب خريجي الأعوام الخمسة القادمة، بينما يقدر عدد الوظائف الجديدة المطلوبة خلال 15 عام 298 ألف وظيفة، ما يشكل 64% من حجم القطاع الحكومي الحالي و73% من إجمالي العاملين الكويتيين في سوق العمل الآن، علما بأن القطاع الخاص بأكمله يوظف حاليا 64 ألف كويتي فقط.
وقالت الدراسة إنه لا يعقل أن يستمر القطاع الحكومي المتضخم أصلا باستيعاب هذه الأعداد حتى مع تكويت الوظائف التي يشغلها الموظفون غير الكويتيين، ناهيك عما سيمثله ذلك من ضغط إضافي على المالية العامة، كما لا يعول على القطاع الخاص بالعقلية الإنتاجية السائدة فيه والقائمة على توظيف العمالة الأجنبية الرخيصة أو الاستيراد المفرط للسلع الاستهلاكية، وأن السبيل الوحيد لخلق فرص عمل حقيقية ومنتجة للمستقبل هو إعادة هيكلة الاقتصاد حسب خطة طويلة الأمد، ولقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة دور محوري في هذه المهمة.
اختلال التركيبة السكانية
اما في الجانب المتعلق بالاختلال في التركيبة السكانية، فقد أوضحت الدراسة أن الكويتيين يمثلون أقلية في وطنهم فيما يعد وضعا غير سوي، وليست مشكلة التركيبة السكانية الأزلية سوى نتيجة طبيعية للاختلالات الهيكلية سالفة الذكر، فالاعتماد شبه الكلي على النفط وتوجيه ريعه لدفع رواتب الوظائف الحكومية أدى إلى توجه الكويتيين للعمل في القطاع الحكومي وعزوفهم عن القطاع الخاص الذي تسهل له الدولة توظيف العمالة الأجنبية بتحملها جزءا من تكلفتها من خلال شموله بالدعوم كالرعاية الصحية واستهلاك الوقود والكهرباء والماء، والتسهيلات التي يتمتع بها من دون ربطها بتنويع الاقتصاد وتوظيف العمالة الوطنية، لذا فإن الفجوة الناتجة في الأجور بين القطاعين العام والخاص وبين العامل الكويتي وغير الكويتي، علاوة على ضعف مخرجات التعليم التي تضعف من تنافسية العمالة الوطنية، كلها عوامل تظهر آثارها في اختلال التركيبة السكانية.
وتابعت الدراسة «بالنظر إلى خصائص العمالة الأجنبية (من دون العمالة المنزلية) نجد أن 76% منها ذات تعليم متدن، إذ يعيش بيننا 846 ألف عامل غير متعلم ونصف مليون عامل بشهادة ابتدائية أو متوسطة يوظف القطاع الخاص 97% منهم الرخيصــة، بحسب بيانات الهيئة العامة للمعلومـــات المدنية، مما يشيـــــر إلى اعتماده الكبير على التوسع العددي في العمالة متدنية المهارة ومحدودة الحقوق بدلا من الاستثمار في رفع الكفاءة الإنتاجية».
هكذا يتم تنويع إيرادات الدولة وتعظيمها
٭ تحديث معدلات الضريبة على أرباح الشركات للمساهمة بفعالية بالإيرادات.
٭ ضريبة تصاعدية على الدخول العالية، دون المساس بذوي الدخول المتوسطة والمحدودة.
٭ تطبيق ضرائب انتقائية على السلع المضرة للصحة والبيئة.
٭ مراجعة رسوم الانتفاع بأملاك الدولة لمواكبة قيمتها السوقية ورسوم الخدمات العامة وغرامات المخالفات.
٭ الشفافية في استخدام أصول الصندوق السيادي لتمويل المشاريع التنموية بما لا تعارض استدامتها للأجيال القادمة.
٭ تحديد الأوزان النسبية المستهدفة لمصادر الإيرادات (نفط، ضرائب، استثمارات) مع تقليل الاعتماد على النفط.
٭ تطوير قواعد إعداد الموازنة العامة والحساب الختامي بتضمينها بيانات الدين العام وصناديق الاستثمار السيادية.
3 مقترحات لتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني
٭ الانفتـــــاح على الأسواق الإقليمية لتوسيع قاعدة التبادل التجاري بقطاعات الخدمات وتكنولوجيا المعلومات.
٭ دعم جهود التكامل الاقتصادي بين دول الخليج بما يحقق المنفعة الاقتصادية المشتركة.
٭ تقييم جـــدوى المشاريع التنموية الكبرى على أساس تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل الوطنية.