يعاني المجتمع من مشكلات عدة تلقي بظلالها على جميع مجالات الحياة، فالفساد أصبح واقعا متقبلا، والرشوة أتعابا مستحقة، والواسطة ضرورة ملحة، والغش حقا مكتسبا، والعنصرية فزعة محمودة.
تبدلت نظرة المجتمع، وتشكلت بين فريق كبير منه وبين هذه الظواهر ألفة بحجة تقبل الواقع ومسايرة الوضع والقبول به، واستسلاما لتبريرات قوى الفساد ومقارناتهم الخاطئة بمجتمعات نخر فيها التخلف وانهارت لديها القيم، وتخويفهم من إمكانية وصولنا لمستواهم، حتى انتشرت مقولة «الله لا يغير علينا»!
لا شك أن للقانون سطوته، ويكون في أحيان كثيرة رادعا لمن تسول له نفسه تجاوز النظام وكما قيل «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، لكنه لا يضمن ديمومة الالتزام به، فالإنسان مفطور على الشهوة والأنانية والطمع، وسيجد بطريقة أو بأخرى ثغرات ليتحايل بها على القانون، والوصول لمبتغاه بطرق غير شرعية متى ما كانت نفسه ضعيفة مستسلمة للنزوات والشهوات.
فإذا كان القانون وحده لا يكفي صار لزاما أن يكون الإصلاح من خلال بناء الإنسان وصولا لإصلاح المجتمع، بناؤه قيميا وأخلاقيا وسلوكيا حتى يكون الوازع الداخلي هو المانع عن الوقوع في المخالفات قبل القانون.
لو عدنا لكل المشكلات التي نعاني منها لوجدنا سببها فقدان القيم في نفوس البشر، فالصدق والإخلاص والتجرد والأمانة والقيم الأخلاقية العليا بحاجة إلى إعادة غرس وتأكيد، ضمانا لاستدامة المجتمع والارتقاء بأبنائه والقضاء على الفساد المستشري فيه.
الوقت لا يكون متأخرا أبدا في عملية الإصلاح، بشرط أن تتولد القناعة لدى المجتمع بأكمله بأهمية التغيير.
لابد للمجتمع أن يدرك أن الإصلاح مهمته، وأن تتكامل جميع الجهات الحكومية والأهلية وتقوم بمسؤولياتها، وتكون البداية بدراسة علمية تشخيصية لأهم الأمراض المجتمعية التي ساهمت في انتشار الفساد، يعقبها مؤتمر وطني على أعلى مستوى يحضره المتخصصون لوضع سبل وطرق العلاج والآليات التي يمكننا من خلالها إعادة زرع القيم المفقودة، ثم قيام كل جهة بواجبها من وزارات وهيئات ومؤسسات، حتى نستعيد المجتمع الذي يتغنى به الآباء والأجداد، ونبث الروح فيه من جديد.
ولعل أول الطرق وأهمها لزرع القيم في أجيالنا القادمة هو المدرسة من خلال إعادة النظر في المناهج وتضمينها القيم واستحداث منهج عملي يؤصل في الطلاب هذه القيم، ثم تأهيل المعلمين وإعادة النظر في شروط قبولهم ليكونوا قدوة حقيقية يستقي منها الطلاب الأخلاق والسلوكيات.
إن أي إصلاح سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي لابد أن ينطلق من المدرسة، فالتعليم بوابة الإصلاح الشامل لأي مجتمع، لذا كان من الواجب أن يكون على رأس أولويات أي خطة حكومية للتطوير والإصلاح.
إن عملية التغيير صعبة، تحتاج جهدا ووقتا لكنها ضرورة ملحة وحاجة حتمية، فلا ثابت في هذه الحياة إلا التغيير! «لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر»، فإن لم نتقدم تقادمنا، وإن لم نتطور تقهقرنا، لذلك فليكن دعاؤنا: «الله يغير علينا»! نعم، الله يغير علينا للأحسن، الله يغير علينا للأفضل، الله يغير علينا للأجمل. ولنتذكر قول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
[email protected]