- التفاوت في الإحصائيات بين «الجهاز» و«الديوان» يرجع إلى مسألة أساسية لا ترتبط بالتباين في التعريفات فقط بل تتعلق بمنهجية عمل كل منهما
- «الجهاز» يعنى بالرقابة المالية المسبقة في حين أن «الديوان» يعنى بالرقابة المالية اللاحقة بوجه عام والمسبقة في الحدود ما أثر على نطاق العمل فيهما
- يقوم «الجهاز» بمراجعة كل المعاملات المالية أما «الديوان» فإنه يجوز له أن تكون نسبة المراجعة بما لا يقل عن 50%
- هناك اختلاف منهجي في عرض المخالفات والملاحظات في التقارير الدورية فيما بين الجهاز والديوان تأسيساً على أحكام قانون إنشاء كل منهما
- لم يتبين ما هو الأساس القانوني الذي استند إليه الديوان في منهجيته بشأن الملاحظات المسجلة على الجهاتوالتي لا يدرجها الديوان ضمن تقريره السنوي والتي بلغت في إحدى السنوات حدود 1500 ملاحظة
بقلم: بدر مشاري الحماد.. نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
baderalhammad.com
أشرنا في الجزء الأول الى التأسيس القانوني للمفردات التي تستخدم في تقارير كل من جهاز المراقبين الماليين وديوان المحاسبة وهي: المخالفة والملاحظة والامتناع والتحفظ.
والآن وبعد توضيح التأسيس القانوني للمفردات المشار اليها، هل يمكن ان تتم اعادة تكييف المسميات والمفردات ذات الصلة بالملاحظات والمخالفات التي يسجلها جهاز المراقبين الماليين على الجهات والمؤسسات الحكومية، بما يتناسب مع السياق العام المنصوص عليه في قانون انشاء ديوان المحاسبة؟
وفقا لهذا التساؤل المطروح، ووفقا لمفهوم وتعريف المخالفات في ظل قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين 23 لسنة 2015 وقانون انشاء ديوان المحاسبة 30 لسنة 1964، والذي تمت الإشارة إليه في الجزء الأول، حيث تم تبيان الجانب القانوني واللغوي لأسس استخدام كل من مصطلح المخالفة والملاحظة في كل من القانونين المشار اليهما، ونظرا لوجود تباين في التعريفات المشار اليها، فإنه على هذا الأساس وجد تفاوت بإحصائيات المخالفات فيما بين الجهاز والديوان.
وإذا كان الهدف من هذا التساؤل هو معرفة أسباب التفاوت بين الاحصائيات التي ترد في تقارير كل من الجهاز والديوان، فإن التفاوت في الاحصائيات يرجع الى مسألة أساسية لا ترتبط بالدرجة الأولى بالتباين في التعريفات والمفاهيم فقط، بل تتعلق بمنهجية عمل كل منهما وذلك تأسيسا على ما ورد في هذا الشأن في قانوني انشاء «الجهاز» و«الديوان».
فلكل من جهاز المراقبين الماليين وديوان المحاسبة نطاق عمل مختلف عن الآخر، وهما الجهازان الوحيدان بالدولة اللذان يقومان باختصاص الرقابة المالية، وعلى الرغم من ان ديوان المحاسبة نطاق رقابته أوسع، الا اننا سنركز فقط على النطاق المالي في الجهازين.
فمنهجية عمل الجهازين المختلفة تنعكس بشكل واضح على حجم المخالفات التي ترد ضمن الاحصائيات التي يتم عرضها من قبل كل من الجهاز والديوان، ويمكن توضيح ذلك بالجوانب التالية:
أولا: وفقا لقانون انشاء جهاز المراقبين الماليين، فإن الجهاز يعنى بالرقابة المالية المسبقة على المعاملات المالية بالجهات والمؤسسات الحكومية، استنادا الى ما جاء بالمادة 8 من قانون انشائه بشأن مستهدفات الجهاز، في حين ان ديوان المحاسبة وفقا للمادة 7 من قانون إنشائه يعنى بالرقابة المالية اللاحقة بوجه عام، والمسبقة في الحدود التي وضحها القانون، وفي جانب ضيق وهو العقود والالتزامات في نصاب محدد، هذا بالإضافة الى رقابة شؤون التوظف والسجلات والاعتمادات المالية والعهد والمخازن والسلف والقروض والاستثمارات وتنفيذ المشاريع والحسابات الختامية، والتي لا تدخل ضمن نطاق عمل الجهاز.
ثانيا: يقوم جهاز المراقبين الماليين بموجب المادة 12 من قانون انشائه بمراجعة كل استمارات الصرف والقيد والتوريد، وبالتالي فإن إحصائية الجهاز تعكس ما تسفر عنه مراجعة الاستمارات من مخالفات، والتي يتم رصدها على مستوى كل استمارة تقوم الجهة الحكومية بإعدادها.
فمراجعة الجهاز مراجعة شاملة على مستوى كل عملية مالية يتم تنفيذها دون النظر الى الجانب الموضوعي بشأنها، اما ديوان المحاسبة، فإنه يجوز له ان تكون نسبة مراجعته بما لا يقل عن 50% للمستندات وفقا لما جاء بالمادة 78 من قانون انشائه، وان الديوان يرصد مخالفاته وملاحظاته بشكل موضوعي، أي يتناول الموضوعات التي تمت مراجعتها وفحصها بغض النظر عن عدد استماراتها، ويرصد ما يرد بشأنها من مخالفات او ملاحظات، على خلاف منهجية عمل الجهاز في هذا الشأن.
ثالثا: يرصد جهاز المراقبين الماليين المخالفات التي تقع بها الجهات والمؤسسات الحكومية نتيجة لتنفيذ ما جاء بالفقرة 2 من المادة 12 من قانون انشاء الجهاز، حيث نصت الفقرة على الآتي «التوقيع على استمارات الصرف والقيد والتوريد، بعد مراجعتها مع كافة المستندات المؤيدة لها والتأكد من صحة وسلامة الاجراءات والتوجيه المحاسبي ومطابقتها للواقع وللقوانين والتعليمات المالية والنظم واللوائح الخاصة بالجهة، خلال خمسة أيام عمل من اليوم التالي لاستلام الاستمارة والمستندات اللازمة والمؤيدة لها، ولهم في سبيل ذلك الاطلاع على كافة المستندات والملفات التي يرى أهميتها في عملية الرقابة».
هذا بالإضافة الى ما نصت عليه المادة 14 من القانون وهي على النحو التالي: «على المراقب المالي التأكد من أن إنشاء الالتزامات المالية أو تحميل عبء على الخزانة العامة قد أجيز من السلطة المختصة، وفقا للقوانين والقرارات والتعليمات المالية وبعد استيفاء المستندات المؤيدة، وإلا فعليه أن يمتنع عن توقيع الاستمارة مع بيان أسباب الامتناع كتابة. وإذا لم يؤخذ بوجهة نظر المراقب المالي، يرفع الأمر للوزير أو رئيس الجهة متضمنا الرأيين معا، فإذا لم يقرر الوزير أو رئيس الجهة رأي المراقب المالي وجب تنفيذ رأي الوزير أو رئيس الجهة مع إخطار رئيس الجهاز بذلك».
وبالنسبة لديوان المحاسبة، فقد وضح الديوان منهجيته في هذا الجانب وفقا لما ورد بتقريره السنوي، والذي يكون عادة في المجلد الخاص بالمؤشرات المالية والظواهر، حيث أورد الديوان بالمجلد الخاص بالمخالفات المالية مفهوم ديوان المحاسبة بشأن المخالفات المالية حيث قسمها الى الآتي:
أ ـ مخالفة مالية بطبيعتها، وتتمثل في كل تصرف يتعلق بالإخلال بقاعدة مالية مقررة، وقد تكون مقررة في الدستور أو في القوانين المختلفة والأنظمة والقرارات أو اللوائح والتعليمات المنظمة للصرف والتحصيل.
ب ـ مخالفة مالية بحسب آثارها، وتتمثل في التصرفات المالية غير السليمة التي يترتب عليها ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو للجهات الخاضعة لرقابة الديوان، أو التي من شأنها أن تؤدي لذلك مباشرة أو للمساس بمصلحة من مصالحها المالية.
ج ـ المخالفة المالية حكما، وتشتمل على عدم التعاون مع الديوان وعرقلة أعماله وعدم الرد على مكاتباته بالمستندات المطلوبة.
ووفقا لما ورد بتقرير ديوان المحاسبة على سبيل المثال تقرير السنة المالية 2019/2020، فإن الديوان سجل 113 مخالفة مالية على الجهات التي تخضع لرقابته استنادا على المواد (13، 14، 52) من قانون إنشائه.
رابعا: فيما يتعلق بكيفية عرض النتائج التي تسفر عنها عملية المراجعة فإنه وفقا لما ورد بقانون انشاء الجهاز، فإن المادة 11 منه نصت على الآتي: «يعد رئيس الجهاز تقريرا دوريا كل نصف سنة مالية عن أعمال وأداء الجهاز، ويقدم هذا التقرير إلى وزير المالية لعرضه على كل من مجلس الوزراء ومجلس الأمة»، كما نصت الفقرة 15 من المادة 12 بشأن اختصاصات المراقبين الماليين على الآتي: «إعداد تقارير دورية عن نتائج أعمال الرقابة المالية المسبقة».
اما فيما يتعلق بتقارير ديوان المحاسبة، فقد نصت المادة 22 من قانون انشائه على الآتي: «يضع رئيس الديوان تقريرا سنويا عن كل من الحسابات الختامية المشار اليها في المادة السابقة يبسط فيه الملاحظات وأوجه الخلاف التي تقع بين الديوان وبين الجهات التي تشملها رقابته المالية، ويقدم هذا التقرير الى رئيس الدولة ومجلس الأمة ومجلس الوزراء ووزير المالية في موعد أقصاه آخر شهر يناير التالي لانقضاء السنة المالية. ويجوز لرئيس الديوان تقديم تقارير أخرى على مدار السنة في المسائل التي يرى أنها بدرجة من الأهمية والخطورة تستدعي سرعة نظرها».
ويلاحظ ان كلا من قانون انشاء جهاز المراقبين الماليين وقانون انشاء ديوان المحاسبة نص بشكل واضح على ان تتضمن التقارير التي تعد من قبلهما نتائج المراجعة التي يقوم بها كل من الجهاز والديوان، ولم يتبين وجود نص صريح بأن يكون هناك تقدير لمسألة عرض النتائج باستثناء جانب محدد ورد بقانون ديوان المحاسبة بالمادة 25، حيث نصت المادة على الآتي: «يقوم الديوان بفحص ومراجعة كل حساب أو عمل آخر يعهد إليه بفحصه ومراجعته مجلس الأمة أو مجلس الوزراء، ويبلغ رئيس الديوان ملاحظاته في هذه الحالة إلى الجهة طالبة الفحص أو المراجعة ويجوز له أن يضمن تقريره السنوي كل ما يبدو له من الملاحظات بشأن الحساب أو العمل السالف الإشارة إليه».
تجدر الإشارة الى انه ورد ضمن تقرير ديوان المحاسبة السنوي 2017/2018 على سبيل المثال في المجلد الخاص بالوزارات والإدارات الحكومية، في الفصل الثالث بالمجلد (نتائج رقابية) في المحور الثاني، ورد بيان إحصائي بالملاحظات المسجلة على الجهات والتي لم تدرج ضمن التقرير السنوي.
وقد برر الديوان ذلك بأنه استمرارا للنهج الذي يتبعه ديوان المحاسبة من خلال حرصه على تطوير وتنمية مجالات التعاون البنّاء مع الجهات المشمولة برقابته، حيث يقوم الديوان بعرض بعض ما تكشف له من ملاحظات نتيجة ممارسة مهامه في التدقيق والفحص والمراجعة على أعمال تلك الجهات بتقريره السنوي، بهدف اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة أسباب حدوث تلك الملاحظات وتسوية ما يمكن تسويته منها، أو الرجوع إلى جهات الاختصاص من المعنية بالدولة للتنسيق معها لإيجاد ووضع الحلول اللازمة لتلافيها واستمرارا لأسلوب التعاون الذي ينتهجه الديوان في علاقاته مع الجهات المشمولة برقابته، يرى عدم تضمين تقريره العديد من الملاحظات التي سبق عرضها ومناقشتها مع الجهات بشكل مباشر، بالإضافة إلى إبلاغها بها كتابيا بالتفصيل بعد أن أبدت الجهات رغبتها في تلافي أو تسوية تلك الملاحظات، وذلك لمعاونتها على تحقيق ما يهدف إليه من تلافي تلك الملاحظات وعدم تكرارها مستقبلا.
وقد أورد الديوان في بيانه عدد الملاحظات التي لم يتم ادراجها ضمن التقرير السنوي على مستوى الجهات الحكومية المشمولة برقابة الديوان وعددها 28 جهة حكومية ويبلغ عدد الملاحظات التي لم يوردها الديوان في تقريره 1496 ملاحظة.
هذا ولم يتبين ما هو الأساس القانوني الذي استند اليه الديوان في هذه المنهجية.
ختاما وردا على التساؤل المطروح وهو: هل يمكن ان تتم اعادة تكييف المسميات والمفردات ذات الصلة بالملاحظات والمخالفات التي يسجلها جهاز المراقبين الماليين على الجهات والمؤسسات الحكومية بما يتناسب مع السياق العام المنصوص عليه في قانون انشاء ديوان المحاسبة؟
فإن الإجابة هي انه لا يمكن ان تتم اعادة تكييف المسميات والمفردات ذات الصلة بالملاحظات والمخالفات التي يسجلها جهاز المراقبين الماليين وذلك لأسباب قانونية وفنية منهجية على النحو الذي سبق عرضها.
كما ان التباين فيما بين إحصائيات كل من جهاز المراقبين الماليين وديوان المحاسبة بشأن المخالفات والملاحظات التي ترد في تقاريرهما يعتبر امرا طبيعيا، وذلك لاختلاف منهجية عملهما ونطاقه على النحو الذي وضحناه.