منذ تفشي جائحة فيروس كورونا أواخر العام الماضي 2019 في مدينة ووهان بالصين، شهد المجتمع الدولي استجابات سياسية متنوعة وغير مسبوقة خلال السنة الحالية 2020 للحد من انتشار المرض واحتوائه ومكافحته.
لقد أثبتت الكثير من هذه السياسات نجاحها وفعاليتها، ولكن أيضا عانت الكثير من الدول على مختلف المستويات سواء الصحية أو المالية أو الاجتماعية وكذلك الثقافية والبيئية.
القرارات السياسية تأثرت بشكل واضح بهذه الأزمة وقد نتج منها الكثير الإجراءات الصحية والاقتصادية. تراوحت الإجراءات الصحية من البقاء في المنزل، وارتداء الكمامات، والحد من عدد الأشخاص في التجمعات العامة، وتقييد حركة الناس والمركبات أو حظر التجول أو حظر السفر، وإغلاق كلي أو جزئي وغيرها من إجراءات من أجل تحقيق التباعد الاجتماعي والجسدي.
أيضا كان هناك الكثير من المستشفيات الميدانية التي شيدت، والبرتوكولات العلاجية التي وضعت، وسياسات العزل والحجر التي طبقت.
على المستوى الاقتصادي، كانت هناك كثير من التشريعات التي تهدف لتقديم الدعم المالي للأفراد والشركات ولقطاعات الدولة المختلفة من أجل التقليل من الآثار المترتبة من الإجراءات الصحية.
أثبتت هذه الاستجابات السياسية والاقتصادية والصحية فعاليتها في بعض الحالات مع الأخذ بعين الاعتبار آثارها السلبية على المجلات الأخرى، مما يتطلب التركيز عليه هو وضع خطة متكاملة مع تدارك السلبيات ونقاط الضعف التي واجهتها الدول في هذه الأزمة.
لذلك ومع اقترابنا من الدخول في السنة الجديدة 2021 أحببت أن أسلط الضوء على خمس مجالات يجب التركيز عليها لمواجهة هذه الجائحة بشكل خاص والنهوض بالعمل المؤسسي والاستراتيجي بالدولة بشكل عام.
الحاجة الأولى هي إدارة البيانات والمعلومات الوطنية. تلعب إدارة البيانات دورا حاسما في التخطيط، والاستجابة السريعة، وقد لوحظ أهميته في ظل جائحة كورونا، بدءا من تحديد الحالة الأولى وحتى تتبع المخالطين ورعاية السكان المصابين والمتضررين.
البلدان التي تقيس وتتابع المؤشرات الحيوية، ولديها بيانات عن سكانها بشكل دقيق ومحدث، قادرة على استهداف التدابير التي وضعتها وتوفير البنية التحتية للرعاية الطبية بالشكل المناسب للوضع العام للدولة. أما البلدان التي تفتقر لتلك البيانات، مثل العديد من البلدان الأفريقية، ستكون غير قادرة على تركيز استجاباتها.
على مستوى الكويت تساهم البيانات والمعلومات الوطنية للتخطيط والتعامل مع ملف التركيبة السكنية متى ما وجد من يتبنى هذا الملف ويجعله على رأس الأولويات للدولة وليس ملفا للتكسب الإعلامي.
ثانيا، يجب على البلدان النامية أن تتجنب ببساطة نسخ واقتباس التدخلات المفروضة وردود الأفعال السياسية للدول الغنية والصناعية المتقدمة. لكل دولة مواردها المختلفة.
سيكون من غير الواقعي احتواء كورونا والسيطرة عليه بطريقة موحدة، والاستجابات المختلفة لا يمكن أن تكون ذات مقاس واحد يناسب الجميع. يجب أخذ الاختلافات بين البلدان في الاعتبار.
بل يجب التركيز على مجالات أساسية لها تأثير كبير وايجابي على السياسة العامة للدولة بما يتناسب مع طبيعتها وامكانياتها المتاحة. هناك حاجة إلى إعادة النظر وإعادة تنظيم الاستجابات السياسات الحالية من قبل البلدان لتتلاءم مع سياقاتها المحلية.
ثالثا، يجب استخدام الموارد المحلية بفعالية عن طريق بناء شراكة أكبر مع الدول المتقدمة لتحقيق التكامل في الخدمات الأساسية. بل ويجب على الدول البدء ببناء قدراتها المحلية وتطوير نظامها العام لمواجهة التحديات المستقبلية.
كشفت جائحة كورونا عن نقاط القوة والضعف في كل من البلدان الغنية والفقيرة. كما أظهرت فرصة للشراكة من أجل التنمية المستدامة. على سبيل المثال، أثر انخفاض سعر النفط الخام على الميزانية السنوية للعديد من البلدان المنتجة للنفط.
سوف تحتاج هذه البلدان إلى إعادة التخطيط الاستراتيجي بشأن التنويع الاقتصادي لقاعدة الإيرادات. أصبحت الدول مطالبة ببناء القدرة على الصمود والقدرة على الانتعاش والتعافي من هذه الأزمة.
الحاجة الرابعة هي تعزيز المؤسسات وبناء القدرات البشرية لإدارة الكوارث والمخاطر وعدم الاعتماد على سياسة ردود الأفعال.
فوجود المؤسسات المناسبة ـ مثل اللجنة الوطنية لإدارة الكوارث والمخاطر، والقدرة على العمل المشترك بين الوزارات المختلفة، وتوفير المهارات المناسبة والبيئة الفعالة للإنتاج مطالب ملحة ويجب البدء بها اليوم قبل الغد. البلدان النامية لديها الكثير لتتعلمه في هذا المجال.
خامسا، لا يمكن ضمان الثقة بمؤسسات الدولة المختلفة إلا عندما تكون القيادة الصحيحة في مكانها، ويوسّد الأمر لأهله.
في بلدي العزيز الكويت لاحظت أن بعض المؤسسات والوزارات وأصحاب القرار كعداء المسافات القصيرة فالتفكير والعمل محدود ومحصور على المدى القصير وليس المدى البعيد، لا يضعون اعتبارا لمفهوم الديمومة والاستمرارية فجميع خططهم وقراراتهم تدل على ذلك.
في هذه الأزمة نحتاج إلى نهج عدّائي المارثون لا عدّائي المسافات القصيرة.
[email protected]
Twitter: @Dr_hisham81