الفضل الكبير يعود للوراقين والنساخين في العصور القديمة والوسطى في انتشال وحفظ التراث العربي والإسلامي من الضياع والاندثار والإتلاف والسرقة. والوراق هو الرجل الذي يحترف الوراقة وهي مهنة كانت شائعة في العصور القديمة والوسطى، وقضى الوراقون حياتهم في نسخ الكتب وصحة النقل ودقة الضبط والتصحيح والتجليد وتزيين الكتب وبيع الورق والأحبار، والوراقون كانوا ينسخون الرق الأزرق الذي يعتبر من أجمل وأدق مواد الكتابة الذي يصنع من كبريتيد الحديد مع الصمغ العربي وهناك الأحبار التي تصنع من السخام «سواد القدر» أو من الحناء وبعضها من نبات الجوز والعرب تعلموا هذه الطريقة من الصناع الصينيين في سمرقند «تقع في آسيا الوسطى» ثم نسخ ونقل الكثير من المؤلفات والمصاحف الشريفة وأمهات الكتب القيمة والتي تم نسخها وتجليدها وأصبحت في متناول أصحاب الفكر والرأي والمثقفين.
وامتهن الوراقون هذه الحرفة في نسخ الكتب على أمل الحصول على العلم والمعرفة وهي مهنة شائعة في البلاد الإسلامية في العصور الوسطى وكانت تقوم آنذاك مهام مهنة الطباعة والنشر وازدهرت حرفة الوراقين في العصر العباسي في القرنين الثالث والرابع الهجريين بسبب كثرة ما نقل وانتسخ فيه من الكتب والمؤلفات إلى جانب جودة النسخ والتصحيح والعناية بهما وازدهرت حركة التأليف والنشر والترجمة. وهي مهنة ثقافية وحضارية وحتى أن الجاحظ كان يبيت ليالي طوالا في محال الوراقين ليقرأ ويطالع لأنه لا يملك من الأموال ما يكفيه لشراء الكتب.
والوراقة تعين على كتابة المصاحف الشريفة وكتب العلم ووثائق الناس وهي في نظر ابن خلدون من أمهات الصنائع الشريفة وازدهرت جرفة الوراقين في العصر العباسي في بغداد وبلغ عدد حوانيت الوراقين في بغداد في الربع الأخير من القرن الثالث الهجري «والتاسع الميلادي» أكثر من مائة حانوت.
وظهر المخطوط الورقي بدل قراطيس البردي التي كانت تتلف بسرعة وأنشأ أول معمل للورق في بغداد سنة 174هـ على يد هارون الرشيد وازدهرت وتطورت صناعة الورق في العصر العباسي وازدادت النسخ من كتاب واحد إلى أكثر من كتاب حرصا من ضياع الكتب وضياع الجهد المعرفي وتحولت دكاكين الوراقين إلى مراكز للثقافة وملتقيات للعلماء والأدباء وأهل المعرفة والشعراء وباستقرار الخلافة الإسلامية في العهد العباسي في بغداد كعاصمة للخلافة وكمركز ثقافي بدأت مرحلة جديدة من التطور في مختلف العلوم والثقافة وهي تعتبر فترة ذهنية في الحكم العباسي.
وكثر الوراقون في بغداد وكان المؤلفون غالبا ما يختارون لنسخ كتبهم وكان أبو حيان التوحيدي 312هـ - 414هـ ومؤلفاته ومصنفاته الوافرة ومثال ذلك كتابه الإمتاع والمؤانسة وغيره من مؤلفاته قد امتهن حرفه الوراقة والنسخ التي زاولها في مدينة بغداد ومعرفته بأمور التصحيح وهو ذو خط جميل في الكتابة ويتميز بدقة نقله.
وازدهر الخط العربي في العصر العباسي وأصبحت بغداد في العصر العباسي مركزا لإنتاج الكتب ومنها تجد طريقها إلى أبعد مدن في العالم الإسلامي بواسطة ظهور الجمال. قد يكون هناك الكثير من الكتب والمخطوطات فقدت أو أتلفت ولكن هناك مخلصون من الأجيال يأخذون على عاتقهم استرجاع ذاكرتهم المفقودة لإيمانهم ببقاء الكلمة حية وبهذه الطريقة نسعى للحفاظ على ذاكرة أجدادنا وآبائنا بتدوينها وخطها وحفظها لبداية عصر جديد في البحث عن الثقافة والمعرفة.
[email protected]