تحديان كبيران يواجهان الولايات المتحدة في المستقبل القريب، وهما كبح جماح الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب وعودة ظهور ڤيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
لكن الكاتب بول هير الزميل البارز في مركز «ناشيونال انتريست» والزميل غير المقيم في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، يقول في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال انتريست» الأميركية، إنه «بخلاف هذين التحديين الفوريين، يجب أن تكون عملية استعادة الوحدة الأميركية والتفاؤل على رأس أولوياتنا الوطنية. وسيتطلب هذا الاعتراف ومواجهة الاتجاهات التاريخية التي كانت تتكشف حتى قبل رئاسة ترامب، والتي كانت أحد أعراضها.
وبنظرة للماضي، كشفت الأزمة المالية 2009-2008 وتداعياتها العديد من نقاط الضعف المنهجية في الاقتصاد الأميركي، وبالتالي في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية».
وتسببت أسوأ مشكلة اقتصادية منذ الكساد الكبير في تقلص روح الازدهار والراحة الوطنية، وغذت التوترات العرقية والمناهضة للهجرة، والسياسة المستقطبة حيث تجنب كل من الديموقراطيين والجمهوريين خيارات السياسة الصعبة وعرقلوا أجندات بعضهم البعض. وتسببت سياسات ترامب في تفاقم كل هذا إلى درجة غير عادية.
واعتبر الكاتب بول هير أنه يجب على الدولة ورئيسها المقبل جو بايدن إيجاد طريقة لتخليص نفسها من تلك المشكلات وتنظيم شؤونها. وقال «يجب علينا استدعاء الملائكة الأفضل في طبيعتنا وإظهار مرونة أميركا وقدرتها على تحسين الذات.
جب أن نتغلب على الانقسامات الحزبية والعنصرية والعرقية لتبني هوية مشتركة وقضية مشتركة، ومواجهة الأولويات الوطنية. ويتعين على كل من الديموقراطيين والجمهوريين تجنب الوقوع مرة أخرى في مسابقة الفائز يأخذ كل شيء.
يتعين على الديموقراطيين على وجه الخصوص ألا يرتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبه ترامب برفض و/أو تشويه سمعة نصف الناخبين. لن يؤدي هذا إلا إلى تأجيج حلقة دائمة من الانتقام السياسي والجمود».
إن استعادة وحدة الهدف في البلاد ستكون شرطا أساسيا مسبقا لاستعادة أي وجه من أوجه مكانة الولايات المتحدة في العالم، والتي تآكلت بدرجة كبيرة خلال العقد الماضي، وخاصة خلال رئاسة ترامب.
لقد تضاءلت مكانة أميركا الدولية ومصداقيتها إلى حد كبير بسبب تأثير الأزمة المالية على نفوذها الاقتصادي العالمي، والتأثير المقابل لخلل السياسة الأميركية على سمعتها العالمية، انسحاب ترامب من الدور المركزي الطويل الأمد لواشنطن في التعددية، وجفاؤه وابتعاده المتراكم عن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في الخارج.
وقد عززت الاتجاهات الداخلية للولايات المتحدة التحولات التاريخية في ميزان القوى العالمي منذ نهاية الحرب الباردة التي تركت الولايات المتحدة في حالة تدهور نسبي.
فلم تعد كما كانت عام 1945، عندما خرجت واشنطن من الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى وحيدة، أو حتى عام 1991، عندما تمتعت بلحظة القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
منذ ذلك الحين، أدى صعود الصين، وعودة طموحات القوة العظمى لروسيا، وديناميكيات القوة المتغيرة عبر العالم النامي، والتحول الشامل في القوة الاقتصادية بين نصفي الكرة الغربي والشرقي، إلى الدخول في حقبة تاريخية جديدة تحتاج الولايات المتحدة إلى إدراكها والتكيف معها.
ويرى الكاتب أن هذا لا يعني أن أميركا فقدت بشكل غير قابل للاسترداد جاذبيتها الدولية ودورها القيادي. لاتزال الولايات المتحدة أقوى دولة على وجه الأرض بمعظم المقاييس، فهي تحتفظ بقدرات وإمكانيات هائلة، والعديد من الدول الأخرى متعطشة لإحياء هذا الدور القيادي للولايات المتحدة. إلا أن الأميركيين قد يحتاجون إلى التطلع إلى وضع أقل مما اعتادوا عليه في الأجيال القليلة الماضية.
فقد قللت التحولات في التوازن العالمي للقوة الاقتصادية والتأثير السياسي الناجم عنها - خاصة فيما يتعلق بالصين- من فرص أن تتمكن الولايات المتحدة بالكامل من استعادة التفوق العالمي الذي تمتعت به خلال النصف الأخير من القرن العشرين.
بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تؤدي التحديات الاقتصادية والسياسية الداخلية التي تواجه الولايات المتحدة إلى تقليص الموارد والاهتمام الذي يمكن أن تكرسه لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.
سيكون الأميركيون بحاجة إلى إيلاء المزيد من الاهتمام أكثر مما فعلوا في عقود عديدة لكي تتطابق أهدافهم الدولية مع أساليبهم ووسائلهم.
قد يحتاجون إلى إعادة تقييم المصالح الاستراتيجية وأهداف السياسة الخارجية التي تعتبر حيوية حقا، وتلك التي تعد تفضيلات يمكن إعادة ضبطها أو التي يمكننا التنازل عنها.
وهناك عنصر مهم في هذه المعادلة وهو صياغة تقييمات دقيقة لطبيعة ونطاق التحديات الخارجية التي تواجهها الولايات المتحدة- وخاصة عدم المبالغة فيها، كما كان الحال مع الصين.
واختتم الكاتب بول هير تقريره، بالقول «مرة أخرى، يجب أن تكون أولوياتنا القصوى في الداخل. قبل أن تتمكن الولايات المتحدة من إعادة بناء قوتها وتأثيرها الدوليين بشكل موثوق، يجب عليها أن تعالج نفسها من خلال السيطرة على ڤيروس كورونا، وإحياء الرخاء الاقتصادي وتجاوز السياسات المنقسمة المريرة أثناء رئاسة ترامب.
لن تتمكن أميركا من التنافس على الصعيد العالمي- خاصة ضد سعي الصين للحصول على الشرعية الدولية لنموذجها في الحكم والتنمية- إذا لم نتمكن من جعل نسختنا من الديموقراطية والرأسمالية ناجحة وجذابة مرة أخرى».