بقلم: د.هشام أحمد كلندر طبيب متخصص في الإدارة الصحية
الكثير من الشبهات المنتشرة والأفكار الخاطئة التي تحوم حول جائحة كورونا وتتداول عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، أدت إلى فوضى علمية وفكرية عارمة على المستوى العالمي. نتج عن ذلك التشتيت الذهني للمجتمع، والاختلاف غير المحمود في نقاش الحقائق، وجعل الناس في حيرة من أمرهم، ما بين مشكك، ومن هو مسلم للواقع، ومن هو غير مكترث، ومن لا يدري حقيقة ما يحدث حوله. فرض هذا الوضع على الكثير من أفراد المجتمع عدة تساؤلات حول جائحة كورونا، فهل كورونا أكذوبة؟ أم هي لعبة سياسية؟ أم صراع اقتصادي؟ أم حرب بيولوجية؟ أم أنها انفلونزا عادية وهناك تضخيم اعلامي من أجل تحقيق أجندات خاصة وخفية؟
الكثير يدعم آراءه واعتقاداته سواء من العامة أو المختصين بما يسمع أو يقرأ وعلى ضوء ذلك يحلل.
فتجد من يقول ان هذا الوباء هدفه تدمير الشعوب، والسيطرة عليهم، والاستيلاء على مقدراتهم، فهي فيروسات ذات أهداف سياسية. وهناك من يذهب لأبعد من ذلك ويقول إن ما يحدث هو حرب بيولوجية أشبه بحرب عالمية ثالثة. وهناك من يعتقد أن جائحة فيروس كورونا حادثة طبيعية، فهي ليست أول جائحة تحدث في العالم. شهد كل قرن أوبئة مختلفة أدت في كثير من الأحيان إلى ركود اقتصادي عالمي وآثار سلبية على المستوى الصحي والاجتماعي، وهناك من ينظر أن الهدف من هذا الوباء اقتصادي بحت، ويدللون على ذلك باللقاحات والتي هي الآن حديث الساعة، حيث تعمل الدول بالترويج لها كحل للحد من انتشار الفيروس وتدفع البشرية لأخذ هذه اللقاحات. بل إني وجدت من يحلل وينظر للقاح وكأنه هو من صنع اللقاح سواء مع أو ضد، أما رأيي لمن هو مع اللقاح فأقول لا تكن ملكيا أكثر من الملك، وأما من هو ضده فأبين له ألا تبني آراءك على معلومات سطحية من غير المختصين، واحرص على تلقي العلم والمعرفة من المصادر الموثوقة والتي أصبحت مع الفوضى الفكرية والفضاء الإعلامي المفتوح عائمة عند البعض.
الآراء السابقة مبنية على معطيات كثيرة، لا شك أن هناك تغلغلا صهيونيا في أكثر المنظمات العالمية، وهناك الشركات التي ليس لها هم الا تحقيق المكاسب المادية، وهناك عصابات المال والسياسة، وهناك الإعلام الموجه، وهناك صراعات عالمية على السيطرة والنفوذ، وهناك العداء للإسلام والمسلمين، وغيرها من المعطيات التي توجد أرضية خصبة لمن يتبنى نظرية المؤامرة لأي حدث يحصل على المستوى العالمي. من يعي هذه الحقائق يجب أن يعمل وليس فقط ينظر!
نعود إلى التساؤلات مرة أخرى: هل كورونا أكذوبة؟ أم هي لعبة سياسية؟ أم صراع اقتصادي؟ أم حرب بيولوجية؟ أم أنها انفلونزا عادية وهناك تضخيم اعلامي من أجل تحقيق أجندات خاصة وخفية؟
وجوابي هو: يجب أن نعترف بأن دول العالم الثالث كما هم يسمونها ودول العالم العربي والاسلامي لديها ضعف في الإمكانات العلمية والفنية والتقنية التي تجعلها خلف الكثير من الدول المتقدمة التي تملك جميع خيوط اللعبة، وتتنافس بينها على تحقيق مصالحها من خلالنا، بالسبل المشروعة وأحيانا غير المشروعة، وهذا مفهوم وغير مستغرب.
فهم يتقدمون علينا بخطوات كثيرة، فهم من يشخصون المرض، وهم من يكتشفون العلاج، وهم من يصنعون اللقاح، وهم من يقومون بالدراسات، وهم من يعتمدون النتائج، وأما نحن فدورنا فينحصر بنقل ما يقولونه، وتطبيق ما يعتمدونه، وشراء ما يصنعونه، ونتنافس على ذلك، بل ينحصر انجازنا والتنافس بيننا على من استطاع أن يحضر اللقاح قبل الآخرين، مازلنا دولا استهلاكية نعتمد على غيرنا، فلسنا نحن من نرسم السياسات العالمية أو نتخذ القرارات الدولية، بل ننتظر غيرنا ليخطط لنا، ونحن فقط ننفذ.
عندما نقوم نحن بنقل العلم والمعرفة للعالم من شرقه لغربه على حد سواء، ونحن من نصنع اللقاح والدواء، ونعتمد على أنفسنا ولا ننتظر الغير أن يقدم لنا الكمام والغذاء، ونصل الى مرحلة الاكتفاء، على جميع المستويات الفكرية والعلمية والعملية ونكون وعاء للعلم والعلماء، ونتحول من دول مستهلكة لدول مصنعة لنا وللأشقاء والأصدقاء، ولا ننتظر غيرنا ليخطط لنا ولا ننتظر منهم الأنباء، فحينها نكون أهلا للإفتاء، فنستطيع أن نجيب عنالتساؤلات بكل ثقة وعلى بينة بخصوص الوباء.