ما بين جامعتها ومجمعها العلمي «الموسيون»، وما بين أول معهد أبحاث وأعرق مكتبات التاريخ، اكتسبت الإسكندرية صيتها وشهرتها في العالم القديم، حتى الآن، فليست منارتها القديمة التي كانت إحدى عجائب الدنيا السبع، بل إن نور المعرفة والعلم الذي شع منها لما يزيد على ألفي عام، هو الذي أعطاها هذا البريق الذي لا ينطفأ، فتحت مياه بحر الإسكندرية كنزان، كنز من الآثار والحضارات القديمة الساكنة في قاع البحر الأبيض المتوسط، وكنز من المعرفة والعلم امتزج بمياه البحر، فأخرج عبق العلم والنور الساحر للمدينة.
فكانت اسكندرية كما قال عنها عميد الأدب العربي طه حسين «الاسكندرية على مر العصور ستظل مركز الحضارة والثقافة والنور للعالم»، ولا عجب في ذلك، فالمدينة التي سعت مناراتها الفكرية ومفكريها للبحث في طبيعة الكون وتكوينه، والبحث في القوى الطبيعية، ودراسة الفيزياء والفلك والجغرافيا والهندسة والرياضيات والتاريخ الطبيعي والطب والفلسفة والأدب، والتي خرج منها إقليدس الذي تتلمذ عليه يديه أعظم علماء الرياضيات كأرشميدس، وفي التشريح والطب والجراحة أبولونيوس وهيروفيلوس وإراسيستراتوس، وفي الصيدلية جالينوس وغيرهم الكثير في علوم الجغرافيا والفلك والنبات، بالإضافة إلى الأدب والشعر والفنون، قد تنتهي السطور، لكن لا تنتهي قائمة النوابغ والعلماء في تاريخ الإسكندرية، بالإضافة إلى الكثير من أسرارها التي لم تبح بها، فمع كل اكتشاف أثري جديد بالإسكندرية تتوجه أنظار العالم بالسؤال عن اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر، وحول محتوياتها القيمة، لكن التساؤل الذي يأتي على خاطري بشكل متكرر هو: متى نكون قادرين على الإفادة من كنوز الإسكندرية المعرفية والعلمية بالشكل المناسب، ومتى تمتزج مياه الخليج بمياه البحر المتوسط لتشكل تمازجا ثقافيا فريدا بين الكويت ومصر، وكيف يتم تحقيق ذلك على المستويين الأكاديمي والثقافي بما يعود بالنفع على أبنائنا الدارسين في مصر؟
إن الإسكندرية بلد عظيم بتراث حضاري عريق، كواحدة من أقدم المدن في العالم، والتي مرت عليها العديد من الحضارات، وهذا التنوع الثقافي والحضاري لهذه المدينة العظيمة هو بمنزلة كنز معرفي وتراثي وحضاري، يجب الإفادة منه، والاستثمار فيه من خلال أبنائنا الدارسين في مصر، ويمكنكم أن تعودوا إلى أجيال الرعيل الأول من المبتعثين في مصر، لتروا كيف حمل هؤلاء مشاعل التنمية والنهضة والثقافة والفكر إلى الكويت، وكيف كان لهم دورهم المؤثر والبارز في نهضة الكويت وريادتها الخليجية، وهو ما نأمل أن يعود ويتكرر، ويصبح واقعا جديدا ومعيشا خلال الفترة المقبلة.
إن مصر على وجه العموم والإسكندرية على وجه الخصوص هي أرض الحضارات وتلاقي الثقافات، وعلى الزائرين والطامحين أن يدركوا طريقهم للإفادة من هذا التنوع وهذا الكنز التراثي الذي يبدو في كل شارع من شوارعها وكل زقاق من أزقتها، وكل صفحة من صفحات تاريخها، وهنا أعود إلى مقولة مارك أنطونيو أن «الاسكندرية هي قطب المغناطيس للفلاسفة والعلماء والتجار والملاحين».
أما يوليوس قيصر فيقول عنها «حاورت المدن جميعها إلا أنني لم أسمع إلا همسها، ومن بين المدن جميعا أنظر حولي ولا أجد سوى الإسكندرية»، ولذلك فأنا أدعو من خلال مقالي هذا للحوار مع مدينة الكنوز والحضارات من أجل مستقبل قادم ومشرق مليء بالتنمية والتقدم والإنجازات.