كنت قد شرعت في كتابة مقال بخصوص ما حدث وما يحدث في أميركا الفترة الماضية، لكني بعدما كتبت بعض الأسطر استوقفني اتصال هاتفي ثم تنبهت إلى رسائل كثيرة لم أقرأها على «تويتر»، فجذبتني تغريدة ألقت بي في حالة استياء وحزن على تلك الصورة التي وضعها ذلك المغرد، المتألم هو أيضا بالتأكيد، وهي صورة أطفال بثياب رثة في خيمة مثبتة بأحجار وسط صحراء يطل منها طفلان يفتحان أيديهما لاستقبال المطر المنهمر فوق رأسيهما وهما يبتسمان فرحا بنزول المطر، غالب الظن أنهما من بلدنا الشقيق سورية.
وما كتب فوق الصورة أشد ألما وحسرة من المشهد المؤلم والذي يتكون من كلمتين فقط هما «مات عمر» حينما قرأتها سالت أدمعي، وقلت في نفسي: نعم لقد مات عمر، فلو كان بيننا الآن لما رأينا ذلك المشهد الذي يجلد النفس التقية ذات الضمير الحي الذي ينبض وراء الضلوع.
وكيف لا وهو من قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
كان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الاهتمام بالرعية، فقد كان يخرج ليلا يتفقد أحوالهم، ومما ورد في اهتمامه بالرعية أنه خرج في ليلة، فوجد امرأة وقد أتاها المخاض، وليس عندها من يساعدها، فانطلق محضرا زوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وحاملا على ظهره الطعام، فقاما بما يلزم للمساعدة دون أن يعلم أهل البيت أنه أمير المؤمنين حتى انتهوا.
ومما ورد أيضا أنه وجد امرأة تطبخ في الليل لأولادها وهم يبكون، فعلم منها أنها تغلي الماء إيهاما للأطفال بأنه طعام حتى يناموا، فانطلق مهرولا يبكي، وعاد يحمل الدقيق واللحم، وطهى وأطعم الأطفال.
ليس فقط عمر بن الخطاب، فقد تبوأ الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي. ويزداد عجبك حين تعلم أنه احتل هذه المكانة بسنتين وبضعة أشهر قضاها خليفة للمسلمين، ولم يحتج إلى سنوات طويلة، ولهذا دلالته، حيث إن الأمة كانت حية نابضة بالإيمان، مليئة بالرجال الذين يجمعون إلى جانب الصلاح والقدرة والكفاءة، ولو كانت الأمة مجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر أن يقوم بهذا الإصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة التي فاض فيها المال ببيت مال المسلمين، وذلك بفضل سياسته الحكيمة وعدله الناصع، قام بيت المال بكل ما يحتاجه المسلمون، حتى إن المنادي كان ينادي في كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ لقد اغتنى كل هؤلاء، فلم تعد لهم حاجة إلى المال، فسئل: يا أمير المؤمنين فاض المال ولم يعد هناك ما ينفق فيه فقال مقولته الشهيرة: «انثروا القمح على رؤوس الجبال.. حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين».
أود أن أصرخ وأقول: أين أنت يا عمر فقد شرد المسلمون وشغلت الناس الدنيا عن الدين وضاعت كلمة وهيبة المسلمين وأهين الدين من أراذل المنافقين، نعم أخي صاحب التغريدة لقد «مات العمران».
[email protected]