قال رئيس لجنة السياسات في الجمعية الاقتصادية الكويتية محمد الجوعان «إن التصنيفات الائتمانية المرتفعة التي تمنحها الوكالات والمؤسسات العالمية اصبحت هدفا في ذاتها لكثير من الدول وتسعى للحصول عليها، وذلك باعتبار هذا التصنيف شهادة لتأكيد حسن أداء الدولة ومتانتها وقوة مركزها المالي.
ويمكن لتصنيف مرتفع أن يساهم في ترويج سندات حكومية في أسواق المال العالمية، وعلى العكس فقد يؤدى التصنيف المنخفض إلى التسبب في أزمة اقتصادية لدولة ما، لذلك فإن مؤشرات القياس بالتصنيفات الائتمانية هي دليل على متانة الدولة المالية لسد ديونها في حال الاقتراض».
وأضاف الجوعان أن شركة التصنيف العالمي «ستاندرد أند بورز» ذكرت في تقريرها الأخير في منتصف يناير الماضي «إنه في ظل عدم وجود إجراءات أخرى، فإن الاستنزاف التام لصندوق الاحتياطي العام قد يؤدي إلى ضغط قاس للموازنة بالنسبة للكويت، مما قد يدفع إلى تعديل غير منضبط للإنفاق في وقت يضعف فيه الأداء الاقتصادي بالفعل».
وكما ذكرنا في الجمعية الاقتصادية في رسالتنا السابقة إلى «صناع القرار»، فإننا لا نعتقد بأننا بحاجة إلى مؤسسة تصنيف عالمية لتخبرنا بما نعلمه جميعا، فالنفاد المحتمل للخزينة العامة أصبح اليوم حتميا في حين أن ترتيبات التمويل البديلة لم يتم وضعها بعد! وذكر الجوعان أن «المؤسف أنه لا يزال النظام السياسي في الكويت يحاول متأخرا لمواجهة تبعات أزمة النفط والكورونا ويصل إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، وقد تأخرت الإصلاحات الهيكلية عن أقراننا في الخليج في السنوات الأخيرة وليس فقط الآن.
وقد تؤدي استجابة الحكومة ومجلس الأمة المتأخرة إلى ترك الكويت تواجه قيودا مالية صارمة على الميزانية من قبل شركات التصنيف العالمية، مما قد يؤدي إلى أضرار طويلة الأجل بالاقتصاد الكويتي، وكما ذكرنا سلفا فإن خطورة تعويم الموضوع وسياسة النفس الطويل قد تفيد سياسيا لكنها قاتلة اقتصاديا!» واستطرد بالقول ان ما جاء مؤخرا في تقرير «ستاندرد أند بورز» الأخير، هو خير دليل على أن الحكومة غير مكترثة والمجلس غير مسؤول.
ونوه الجوعان «الآن أصبح لزاما وضع قانون للدين العام تعمل الجهات التنفيذية والتشريعية بمحتواه وضوابطه الاقتصادية، ولا يترك الموضوع مفتوحا للتقدير العام، وتكون بذلك عرضة للمواءمات السياسية، وهذا ما حذرنا منه في الجمعية الاقتصادية وحذر منه كثير من الاقتصاديين والمتخصصين في الكويت بأن الدين العام في حال عدم وجود استجابة حكومية لبنود الهدر في الميزانية لا مفر منه، وهو ليس لعبة سياسية رخيصة بيد مجلس الأمة، فهذا يشكل عبث في مقدرات وسمعة البلد!».
وأكد الجوعان ان وكالات التصنيف مثل «ستاندرد أند بورز» و«موديز» وغيرهم ستستمر في تخفيض تصنيف الكويت على مدى العامين المقبلين إذا كانت الحلول المالية تمنع الحكومة من إيجاد حل مستدام طويل الأجل لاحتياجاتها التمويلية، والأخطر من ذلك هو إمكانية تعرض العملة للضغوط مع زيادة عمليات غسيل الأموال التي ظهرت مؤخرا.
وفي حال عدم اتخاذ خطوات رادعة لحفظ سمعة الكويت المالية هذا بحد ذاته سيكون مدخلا حتميا للحكومة بفرض الضرائب بعد تأخر أي إصلاح منطقي لموازنة الدولة ومنها مس جيب المواطن باقتراح لا يرقى بأن يكون حلا اقتصاديا، فهو حل متخاذل يعجز في مبتغاه الجهاز التنفيذي للبلد على أي إصلاح آخر، واهما بأن أولى خطوات أي إصلاح مالي هي الضرائب، وهذا بحد ذاته ينم عن عجز كبير بالمفاهيم الاقتصادية والإصلاحات في السياسة المالية.
ورأى انه لا يزال يتعين وضع سياسة تمويل طويلة الأجل ومستدامة، حيث انه في الماضي مرر البرلمان قانون يسمح للحكومة بإصدار الديون، ولكن مع الأسف فمعظم النواب جل همهم النجاح بالانتخابات القادمة بدلا من أي حلول غير شعبية، وقد يكون لهذا المنطق النيابي وعدم وجود حل سريع لترتيبات التمويل في الكويت عدد من العواقب الاقتصادية السلبية على المدى الطويل من انهيار التصنيف الائتماني إلى وضع المؤسسات المصرفية في القائمة المحظورة (السوداء) عالميا.
وقال الجوعان: مع كل ذلك، فقد نعمت الكويت بجيل مؤسس ذي نظرة بعيدة، فلا تزال التصنيفات في الكويت مدعومة بالمستويات المرتفعة من الاحتياطيات المالية والخارجية في البلاد.
ولكن يشكل الاستنزاف المستمر لصندوق الاحتياطي العام مخاطر كثيرة، على الرغم من أن إجمالي أصول صناديق الثروة السيادية يتجاوز ما نسبته 500% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يقدر صافي الأصول الحكومية العامة للكويت بنحو 540% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2020، وهي أعلى نسبة بين جميع الجهات السيادية المصنفة من قبل وكالات التصنيف الائتماني.
ولكن هذا لم يعد وحده كافيا في ظل نظام سياسي تهيمن عليه المواجهات ما بين الحكومة ومجلس الأمة، التي غالبا ما تصل إلى طريق مسدود، ما أدى إلى تخلف الإصلاحات الهيكلية عن نظيراتها في السنوات الأخيرة.
وختم الجوعان تصريحه بالتذكير ان صندوق النقد الدولي في أوائل 2020 قال في تقرير له أن دول مجلس التعاون الخليجي ستستنفد صناديقها السيادية التي تصل إلى 2 تريليون دولار بحلول 2034 إذا ما استمرت في سياساتها الريعية.