بادئ ذي بدء، أود أن أعبر عن عظيم سعادتي وأنا هنا أخط من جديد كتاباتي التي شرفت ومازلت أشرف بعرضها عليكم لأشارككم فيها أفكاري وأستقي من نصائحكم وآرائكم، كما أعتذر عن انقطاعي عن مزاولة الكتابة طوال الفترة السابقة، وأسأل الله أن يشافي مرضانا ويرحم من غيبه الموت وينعم عليكم بالصحة والسلامة والعافية.
لقد كانت بحق تجربة التعايش مع هذا الوباء مريرة للجميع، ولعل مرارتها تكمن في جهل الجميع بالتعامل مع مثل هذه الأوبئة في بادئ الأمر، فمنهم من استخف بالأمر ومنهم من أنكر واعتمد نظرية المؤامرة، والبعض الآخر جهل مسببات وطرق التعامل معه حتى باتت دول عظمى معروفة في قدراتها الصحية والبحثية ترزح تحت وطأة تزايد الإصابات وقصر ذات اليد، ليتخبط العالم من هول الصدمة (كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران).
إلا أنني مازلت أرى الإيجاب في بواطن كل أمر والنفع في كل ضارة، فبسبب هذا الوباء عرفنا قيمة ما فقدناه، ولم نفقد ما كنا نجزم بأنه ذو قيمة وهو بالحقيقة «هشيما تذروه الرياح»، وعرفنا أهمية العافية، وكنا نظن أنه «لا ضير يصيبنا»، واكتشفنا أن لنا عائلة كان بها من الدفء ما كنا نجهل جماله، ورأينا الفزعة تتجلى بأبهى صورها عند حاجتنا إليها رغما عن أنف من كان يصور لنا عكس ذلك.
والآن وفيما لايزال خطر الوباء قائما، أتمنى ألا ننسى كل جميل اكتشفناه وكل قيمة إيجابية وصلنا إليها، حتى نصل إلى اليوم الذي نرمي فيه الكمامة للأبد.
نعم، إن في الجعبة الكثير من الهموم وفيها أيضا الكثير من التفاؤل، ولا أعتقد أن الحياة تأتي بالهموم فقط، وإن جاءت بها فالحل هو النظر إليها بعين الباحث عن الحل وبارقة الأمل، وليس بنظرة اليائس المنكسر المتشائم على الدوام، فيكفي أن نردد في سرنا وجهرنا قول الحق سبحانه (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)، وعندها نعي أن الحياة أجمل بكثير من هم وباء أو ضيق رزق أو عثرة هنا أو هناك.
أدام الله هذا الوطن شامخا، ولا أدام من يعتقد غير ذلك.