- ترجع أسباب رصد الجهات الرقابية للمخالفات إلى أمرين إما لوجود خلل في التشريع وإما نتيجة للممارسات الخاطئة
- من الناحية التشريعية التعديلات المقترحة لن تسهم في عدم تكرار جرائم التطاول على المال العام مثل ما يسمى بـ «صندوق الجيش» و«الصندوق الماليزي»
- تراجع الجهاز عن المضي في تطبيق معايير الحوكمة في إجراءاته المتعلقة بشؤون التوظف
- يتطلب الأمر أن تكون هناك قراءة جادة وموضوعية لواقع نظام الرقابة المالية المسبقة
قدم عدد من نواب مجلس الأمة اقتراحا بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 23 لسنة 2015 بإنشاء جهاز المراقبين الماليين، وحسب ما يراه مقدمو هذا الاقتراح فإن هذا التعديل يهدف إلى منح جهاز المراقبين الماليين المزيد من الاستقلالية المالية والإدارية لتحقيق رقابة مسبقة فعالة على الأداء المالي للدولة.
وقد سبق أن تم تقديم المقترح ذاته في دور الانعقاد السابق لمجلس الأمة، حيث أبديت حوله رأيي من خلال قراءة تحليلية نشرت في الصحيفة بعددها الصادر في 14 يناير 2020، إلا أنني رأيت من المناسب أن أستذكر بعض هذا الرأي ولو بشكل مختصر قدر الإمكان من خلال الإجابة عن بعض التساؤلات بشكل موضوعي في هذه المقالة بعد ما تمت إعادة تقديم المقترح مرة أخرى.
هل التعديلات المقترحة على القانون ستسهم في زيادة وتطوير مهام واختصاصات جهاز المراقبين الماليين؟ وهل ستحرر التعديلات المقترحة الجهاز من الصعوبات والعراقيل التي تواجهه؟ وهل ستحافظ تلك التعديلات على استقلالية الجهاز الإدارية والمالية على النحو الذي يأمله مقدمي هذا المقترح بقانون؟
بادئ ذي بدء، يجب أن نوضح أنه عندما يتم تطبيق التشريعات التنظيمية وعلى وجه الخصوص التشريعات التي تنظم الشؤون المالية بالدولة، تبرز بشأنها بعض الملاحظات التي تبديها الجهات الرقابية على الجهات الحكومية التي تخضع لرقابتها، نتيجة لعدم التزام الجهات بتلك التشريعات وذلك لأمرين، إما لوجود خلل في التشريع وبالتالي يستلزم التدخل لتعديل تلك التشريعات بما يتلاءم مع متطلبات الواقع، وإما يكون نتيجة للممارسة الخاطئة من قبل الجهات الحكومية، وأيضا هنا يستلزم التدخل لتقويم تلك الممارسات والتصرفات من خلال المحاسبة الجادة للمتسببين بها.
لذا، على المشرع عند التفكير بأي تعديل تشريعي أن يؤخذ هذه المسألة بعين الاعتبار.
وفيما يتعلق بالتعديلات المقترحة على قانون إنشاء جهاز المراقبين الماليين، ففي رأيي ان مثل تلك التعديلات المقترحة غير مرتبطة بالأهداف المزمع تحقيقها والتي أشار اليها مقدمو الاقتراح، فتحديد فترة الخبرة المطلوبة في القياديين بالجهاز هي على مستوى الدولة متحقق في ظل أحكام المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن نظام الخدمة المدنية وتعديلاته والقرارات المنظمة لأحكامه.
أما استقلالية جهاز المراقبين الماليين الإدارية والمالية، فهي أيضا متحققة في ظل أحكام القانون الحالي، ولا أرى في سلب اختصاصات مجلس الخدمة المدنية في شأن تنظيم شؤون التوظف بالدولة بما في ذلك سياسة الأجور والمرتبات والمقررة لديوان الخدمة المدنية وفق أحكام الدستور والقانون له صلة بالاستقلالية والإدارية، فالأصل أن يقوم المشرع بإلغاء النصوص التي تمنح الجهات تلك الاختصاصات لا تعزيزها، فالجهاز مستقل إداريا من خلال سلطة رئيس الجهاز واللجنة العليا، ومستقل ماليا من خلال الميزانية المستقلة المقررة له سنويا.
وبشأن الرغبة في مد نطاق رقابة الجهاز لكي يسري على الشركات المملوكة للدولة بنسبة 50%، ففي ظل فعالية رقابة ديوان المحاسبة على تلك الشركات. لا يعتبر هذا تطويرا للاختصاصات إنما زيادة في نطاق الرقابة.
وفيما يتعلق بمسالة تطبيق الرقابة المالية المسبقة على المكاتب الخارجية التابعة للجهات الحكومية أيا كان نوعها، فالجهاز ملزم بها قانونا في ظل أحكام القانون الحالي، وعدم ممارسة الجهاز لهذه الرقابة حتى تاريخه يساءل عنه الجهاز ولا يتطلب تعديلا تشريعيا.
ولم أر في هذا المقترح من الناحية التشريعية مساهمته في عدم تكرار جرائم التطاول على المال العام، مثل ما حدث فيما يسمى بـ «صندوق الجيش» و«الصندوق الماليزي» حسب ما يعتقده مقدمو الاقتراح.
كما أن إنشاء لجنة للتظلمات متحقق من خلال لجنة «شؤون المراقبين الماليين» المنصوص عليها باللائحة التنفيذية ولذات الأغراض الواردة بالمقترح، وان اقتراح الاستعانة بأعضاء باللجنة من خارج الجهاز يعتبر في رأيي تدخلا في استقلالية الجهاز، خاصة في ظل وجود آليات ونظم متعلقة بالبت بالاختلافات في وجهات النظر، إما من خلال استفتاء إدارة الفتوى والتشريع أو البت من قبل لجنة الحسم بمجلس الوزراء.
هذا، وان النص بالتعديل على عدم عزل القائمين على الوظائف القيادية وتنظيم ذلك، فهذا التعديل أيضا ليس موضوعيا لأن الهدف من التعديل متحقق في ظل أحكام نظام الخدمة المدنية والتي خصت مجلس الخدمة المدنية والمكون من الوزراء المعنيين بتأديب شاغلي الوظائف القيادية ومنها الفصل من الخدمة.
فإن كان هناك تعديل مستحق، فالأجدر أن يحقق هذا التعديل معايير الحوكمة في كثير من الجوانب ومن أهمها اختيار القياديين والإشرافيين، وتحديد نظم الترقيات والتقييم بالجهاز، والتي يجب أن تعتمد على معايير الكفاءة والجدارة والاستحقاق كما هو معمول به بديوان المحاسبة والذي يطالب الجهاز ذات المعاملة للديوان، علما بأن الجهاز يطبق ذات الكادر الى حد كبير.
وتجدر الإشارة إلى أن وزارة المالية طبقت معايير شغل الوظائف الإشرافية بمعايير أفضل شفافية مما أقرته اللجنة العليا بالجهاز مؤخرا والتي يرأسها ذات الوزير، حيث لوحظ تراجع الجهاز عن المضي في تطبيق معايير الحوكمة في المفاضلة في الاختيار بالوظائف الإشرافية والترقيات والتقييم السنوي والتي رسخها الجهاز واعتمد استراتيجيتها في بداية انشائه دون وجود أي مبررات موضوعية لهذا التراجع.
وعلى ما سبق ذكره نرجع الى تساؤلنا الأساسي، هل يوجد خلل في التشريع وبالتالي يستلزم التدخل على النحو المقترح من أعضاء مجلس الأمة؟
انطلاقا من واقع خبرتي في هذا المجال والتي تشرفت بأن أكون أحد مؤسسي نظام الرقابة المالية المسبقة بالكويت، وبصفتي المسئول السابق عن القطاع المعني بوزارة المالية الذي أبدى رأيه الإيجابي على مقترح بقانون بإنشاء جهاز للمراقبين الماليين في ذلك الوقت، ومع تقديري واحترامي لمقدمي هذا التعديل، إلا أن في رأيي انهم لم يتلمسوا مكامن الخلل الموضوعية فيما يواجه نظام الرقابة المالية المسبقة في الدولة سواء كانت مكامن الخلل في التشريع أم في التطبيق.
لذا يتطلب الأمر أن تكون هناك قراءة جادة وموضوعية لواقع نظام الرقابة المالية المسبقة انطلاقا من رؤية المشرع تاريخيا للنظام وما كان مأمول منه، ومرورا بنتائج تطبيقه على أرض الواقع على مدى تقريبا 3 عقود من الزمن، ودراسة التحديات التي واجهته، وصولا إلى التشخيص الصحيح لما يتطلبه النظام من تطوير، سواء كان من الجانب التشريعي أو الجانب التطبيقي.
ملاحظة: لمعرفة المزيد عن الرأي الفني لهذا الموضوع يمكن الرجوع إلى «قراءة تحليلية لاقتراح تعديل القانون رقم 23 لسنة 2015 بشأن إنشاء الجهاز» https://www.alanba.com.kw/945695
baderalhammad.com