العلاقة بين المجتمع والفرد علاقة جدلية تثير الكثير من الأسئلة حول حدود كل منهما تجاه الآخر، لكن السؤال الأساس هو في مدى ما يمتلك المجتمع من سلطة يستطيع ممارستها للتدخل في حياة الفرد، وقد كانت هذه العلاقة أحد أهم المحاور التي شغلت عقول كبار المفكرين والفلاسفة الذين كانوا يسعون دائما لفهم معنى الحرية، لاسيما في زمننا هذا زمن وسائل التواصل الاجتماعي والانفلات المعلوماتي الذي نتج عنه اختلال المفاهيم الخاصة بالحرية وضياع المفاهيم وانقلاب القيم في المشهد السياسي عالميا ومحليا.
إن هذا الوضع يشبه ما أسماه الأديب الفرنكفوني أمين معلوف بغرق الحضارات، لكن ما ينجي من الغرق هو السعي الحقيقي نحو تنوير الفعل بالغايات السامية وتبيين حدود الصلاحيات التي يمتلكها المجتمع والدولة على ما يفعله الفرد بما لا يمس حقوق الفرد.
لقد وضع الفيلسوف جون ستيوارت مل «مبدأ الضرر» كمؤشر لقياس ما يمكن اعتباره تدخلا مشروعا من جانب الحكومة أو من جانب المجتمع، ويرى أنه لا يحق للدولة أو المجتمع التحكم بالتصرف الفردي إلا إذا كان سيتسبب في ضرر فرد آخر أو مجموعة من الأفراد، إلا أنه لا يصح الادعاء بذلك بل لابد من إثباته بالأدلة الفعلية الواضحة كما تكتمل المنظومة بمبدأ آخر وهو «حرية التعبير» كمبدأ أساس في منظومة الدولة، وتعني حرية التعبير أن لدينا جميعا الحق في التعبير عن كل أفكارنا علنا، وأنه لا يجوز المساس بهذه الحرية عن طريق فرض الرقابة على التفكير لأن الوسيلة الوحيدة التي تمكن الأفكار الجيدة من الاستمرار وتؤدي بالأفكار السيئة إلى الفشل هي أن يتم اختبار تلك الأفكار بشكل منظم لا فوضوي في الغرف المفتوحة، وأن تتمايز بالنقد المحترم الملتزم العلمي الذي لا يتحول إلى جدل أو تباهي أو استعراض.
إن حماية حريتنا في العيش والتفكير يلقي علينا واجب تحويل الأفكار إلى أعمال بعد إنضاجها ونحتاج إلى يقظة وتبصر، حيث إن هناك دائما ما يهدد حقوقنا وحرياتنا، ولاريب أن ما يسميه (جون مل) بطغيان الأغلبية هو من أخطر التحديات، فإن الحرية لا تهدد سلطة القانون أبدا وإنما تهدد الرأي العام الذي يصنعه إعلام الأغلبية ليدفن آراء وتطلعات الأقلية وليستبد بالخيارات الحياتية المصيرية، ومن هنا يجب أن نقوم بحماية الفرد من الطغيان، فإن الفرد عنصر اجتماعي ذو قيمة عالية جدا لأنه هو الذي يصنع للمجتمع تقدمه وتوازنه ونجاحه.
إن كل مجتمع إنساني يسعى إلى العدالة والحرية، والعيش الكريم لا يتحقق إلا في أحضان حرية الفرد وحكمة المجتمع وترسيخ الدولة لكل أوجه العدالة الاجتماعية.
وإذا أردنا أن نقيم مجتمعنا ناجحا فلابد أن نكون أكثر تسامحا وحرية وعدالة، وبذلك يتحقق نجاحنا، وهذه هي مهمة الصادقين المخلصين فقط.