د.حسين سيد مسلم سيد مصطفى
اسمي حسين سيد مسلم سيد مصطفى، وأنا كويتي في السبعين من عمري. بعد تخرجي في المدرسة الثانوية في الكويت، سافرت إلى بريطانيا لدراسة الهندسة، ثم توجهت إلى أميركا للدراسة هناك فيما بعد. وبعد عودتي إلى الكويت، عملت في معهد الكويت للأبحاث العلمية لمدة 19 عاما.
ومنذ عام 1994، زرنا أنا وأبنائي الصين عدة مرات، وبدأت أعشق هذا البلد الذي يتحلى بالحضارة القديمة والعظيمة، ونشأت في بالي فكرة أن أعيش وأقيم في الصين.
قررت السفر إلى الصين والإقامة هناك مع أبنائي في عام 1998.
في ذلك الوقت، كانت الصين أقل تطورا مما هي عليه في أيامنا هذه، وكان راتب عملي في الصين غير مرتفع أيضا، فقال بعض الناس في جواري إنني مجنون، ولكني كنت على يقين بأن هذا القرار سيكون من أصح القرارات التي اتخذتها في حياتي.
أدرّس الهندسة واللغة الانجليزية في الجامعات في الصين بشكل رئيسي، وتعرفت على الكثير من الأصدقاء، والكثير منهم طلبتي. وكثيرا ما نجتمع حول مائدة الطعام، ونتبادل الزيارات، حتى أن بعضهم يدعوني لحضور حفلات زفافهم. هم يحترمون الأساتذة ويهتمون بالتعليم، مما أقام صداقة عميقة جدا بيننا.
حتى اليوم، قد زرت 96 مدينة صينية في جميع أنحاء الصين، وتعرفت على الكثير من الصينيين من مختلف القوميات، الأمر الذي ترك عندي انطباعات جميلة. هناك مصادفة أتذكرها جيدا وكأنها حدثت بالأمس.
في عام 1998، عندما كنت أزور مدينة لانتشو في شمال غربي الصين لبعض الأعمال، صادفني صيني كبير بالعمر في الباص الذي استقله، وسألني من أي دولة أنا، ولما سمع انني من الكويت، سألني بسرور ما إذا كان يمكنه أن يعزمني على الغداء في بيته.
وعلى الرغم من أنني كنت مترددا، لكني قبلت دعوته في النهاية، لأنه كان مصرا على ذلك.
إن عائلته مسلمة، وكانوا يتعاملون معي بكل الصداقة والمودة، ويدعونني إلى الطعام متحمسين بالأطعمة المحلية اللذيذة، وأهدوني شايا صينيا من النوع الشهير والغالي جدا، قد أدهشتني كل هذه المعاملات الاستثنائية، فسارعت لتقديم جزيل شكري قائلا إنني قد تلقيت تعاملا خارج العادة، ولا يمكنني قبول هذه الهدية الغالية، غير أنه قال لي إنه حينما سافر إلى السعودية لأداء مناسك الحج قبل نحو 30 عاما، كان يسافر إلى الكويت أولا ثم يذهب إلى السعودية برا، وخلال تواجده في الكويت كانت هناك عائلة كويتية تتعامل معه مثلما تتعامل عائلته معي.
وعلى الرغم من أنها لا تعرفه سابقا ولا تتكلم لغته، لكنها كانت تدعوه إلى البيت بكرامة وتقدم له الكثير من المساعدات، فعندما سمع أنني جئت من الكويت، كان سعيدا جدا لأنه أتيحت له أخيرا فرصة لرد الجميل الذي حصل عليه من الشعب الكويتي قبل سنوات طويلة.
تقع مدينة لانتشو السالفة الذكر في شمال غربي الصين الذي يسكن فيه معظم المسلمين الصينيين، حيث تقع منطقة شينجيانغ المشهورة أيضا.
ولقد زرت شينجيانغ مرات عديدة، وخلال زياراتي لها كنت أصلي في المساجد هناك مع مئات الآلاف من الشعب المحلي، واستمتع بالطعام الحلال في المطاعم الحلال، ولم أجد أي مشكلة لحرية الاعتقاد الديني التي يتمتع بها الناس هناك.
بالإضافة إلى ذلك، فإني كمسلم، كنت أتمتع بحرية كاملة للاعتقاد الديني في المناطق الأخرى التي زرتها في الصين أيضا، إذ إن هناك الكثير من المساجد في أنحاء الصين، وتوجد حتى في بعض المناطق أحياء خاصة للمسلمين، ويمكن للمسلمين الاحتفال بأعيادهم وأداء واجباتهم الدينية.
لكن في السنوات الأخيرة، دائما ما يسألني بعض أصدقائي في الكويت عن وضعي في الصين وما إذا كنت أتعرض للظلم أو حتى «الاضطهاد الديني»، لأنهم شاهدوا أخبارا تدعي هذا الأمر، غير أن كل هذا لا يمثل إلا درجة عالية من سوء الفهم والافتراء وتشويه الصورة لأسلوب الصين في التعامل مع المسلمين، والحقيقة هي كما ذكرت أعلاه وهي مختلفة تماما عن ذلك.
ومن بين طلبتي الكثير من المسلمين أيضا وبعضهم من شينجيانغ، وهم يحبون بلادهم ويفتخرون بأنهم صينيون مسلمون.
الصين دولة الأمان، وهذا الأمان لم توفره لي معظم الدول التي زرتها رغم عددها الكبير.
ولكن في عام 2016 عندما كنت أزور شينجيانغ في مهمة عمل، حدثت للأسف حادثة إرهابية قتل فيها عشرات الأشخاص وأدهشتني دهشة شديدة.
وبعد ذلك، اتخذت السلطات الأمنية المحلية إجراءات صارمة للتفتيش والحماية.
كان هناك بعض الناس يتذمرون لي بأن هذه الإجراءات مزعجة للحياة، قلت لهم إنها من أجل صالحكم ولحمايتكم!
الآن، قد عشت في الصين لمدة 23 عاما واشتريت شقة في بكين، وعاد ابني يونس إلى الكويت ويعمل فيها بعد تخرجه في جامعة الصين الطبية، وحصل ابني الآخر يوسف على شهادة الدكتوراه في جامعة العاصمة الطبية، وهي جامعة مشهورة أيضا.
إنني أفتخر بوطني ككويتي وأعشق حياتي في الصين في الوقت نفسه.
وفي السنوات الماضية، شهد التواصل بين الكويت والصين تزايدا مستمرا، لكني أراه لايزال غير كاف بقدر كبير، حيث إن لدى كثير من الكويتيين معرفة عن أميركا وأوروبا ولكنهم تنقصهم معرفة شاملة وعميقة عن الصين التي تتمتع بحضارة عظيمة ومكانة دولية مهمة.
نحتاج إلى المزيد من التواصل مع الصين، لاسيما السعي إلى التماس تنميتها وتغيراتها السريعة بأنفسنا، كما أرى أنه من الأهمية بمكان أن تقوم الكويت بتقييم مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي والهندسي والطبي لديها، والاستفادة من مستوى التعليم الراقي المتطور في الصين، لاسيما التعليم الجامعي، والذي ساهم كثيرا في الارتقاء بمكانة الصين عالميا، وهكذا يمكننا نقل الصداقة الصينية ـ الكويتية التقليدية جيلا بعد جيل وإعلاؤها بأبهى صورها.