من القيم الإسلامية الجميلة والعظيمة في مردودها النفسي والاجتماعي التكافل الأسري الذي يعد من أسمى أوجه التعاون البناء بين أفراد الأسرة الواحدة، فقد يكفل الحقوق في الوصال والبر والإنفاق والإحسان بأمر مباشر من الخالق مدون في كتاب محفوظ للناس أجمع وغير مقتصر على مكان ولا زمان معينين، والتكافل الأسري من الأرزاق التي يمنّ الله بها على عباده الصالحين.
ومن أجمل أمثلة التكافل الأسري قصة سيدنا موسى عليه السلام في سورتي طه والقصص، يقول الحق تبارك وتعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)... (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين، وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون، وحرَّمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) (القصص: 7-13).
كما تكرر التكافل الأسري لسيدنا موسى عليه السلام في حياته لقوله تعالى: (واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا، قال قد أوتيت سؤلك يا موسى، ولقد مننا عليك مرة أخرى، إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى، أن اقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني، إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن...) (طه: 29-40).
ويتضح لنا من الآيات الكريمة في عبرها ما يلي:
- منّ الله على سيدنا موسى عليه السلام بالتكافل الأسري ليكن مصدر قوته ونشأته، بدأ من الأم الصالحة والتي هي مثال للصبر واليقين بالله عز وجل، بحبها وحنانها واحتوائها ودعائها لأبنائها، إلى جانب أسلوب تنشئتها لأبنائها في تكافلهم لبعضهم البعض، وذلك في تكلفة البنت الكبرى مسؤولية ترصد أخيها ورعايته من بعيد.
- دعاء الأم لابنها بالحماية والحفظ ورجوعه إليها، فالدعاء للأبناء مفتاح الصلاح والحماية من الموبقات، فرجوع سيدنا موسى لحضن أمه مرة أخرى دليل قوة يقينها بالله عز وجل وصبرها.
- حنان الأخت الكبرى ودورها في رعاية أخيها وتحمل مسؤوليته في حفظ حقوقه، وهذا المشهد نراه في ترصدها بحذر شديد لأخيها وإرشاد آسيا امرأة فرعون لناس تكفل الطفل الرضيع الذي هو أخوها موسى عليه السلام لترجعه لأمها الذي فرغ قلبها من الحزن والقلق كي تقر عينها، كما ترضعه بمقابل مادي.
- أكبر واسطة في التاريخ هي واسطة سيدنا موسى بطلب من الله عز وجل جعل أخيه نبيا مشاركا ومعاونا له في الدعوة والرسالة.
- التربية الصالحة في تعاون الإخوة في الدعوة والبر والذكر والعبادة.
إن المحبة والتعاون والإخلاص واليقين بالله والتوكل عليه من مقومات التكافل الأسري الناجح الذي هو عنوان صلاح الأسرة والمنعكس على المجتمع بأكمله، كما لقصة سيدنا موسى عليه السلام جانب آخر من التكافل الاجتماعي.
family_sciences@