بعد يوم من إقرار مجلس الوزراء تثبيت تاريخ دخول الحظر الجزئي حيز التنفيذ، كنت قد خرجت مساء يوم الجمعة الموافق 5 مارس إلى إحدى المناطق ووجدت أمرا لخص لي ما آلت إليه الأمور في الكويت أو على الأقل في هذه المنطقة فيما يخص التعاطي مع مجريات أحداث وباء كورونا وطرق الوقاية منها، حيث رأيت كمية مهولة من سيارات خاصة لضيوف أحد البيوت ملبين دعوته، ثم البيت الذي يليه سيارات لضيوف آخرين حجزت حارة من الشارع حتى وصلت إلى الجزيرة الوسطى بين الشارعين لعدم وجود ما يكفي من مواقف لسيارات الضيوف.
الأمر كان غريبا حتى لو لم يبتلِ الله الكون بهذا البلاء لأنه من غير المنطقي أن كل هذه البيوت المتلاصقة تقريبا تحدد مناسباتها بنفس اليوم إلى أن استنتجت أن هذه الولائم كانت معدة سلفا في أيام مختلفة، ولكن عند صدور قرار الحظر الأخير قام الجميع بتقديم تاريخ عزائمهم وولائمهم لتكون بنفس اليوم، وكأن وقت الحظر هو التوقيت الرسمي للإصابة بالوباء، وكأنهم يقولون دعونا نجتمع قبل الحظر حتى لا نصاب بكورونا، مما حدا بهم إلى تجميع أكبر قدر ممكن من الضيوف للاستمتاع بالوجبات الدسمة، فالكرم عندنا مرتبط دوما بملء البطون، ولا يحدثني أحد عن الاشتراطات الصحية من لبس الكمام أو التباعد المجتمعي أو تعقيم اليدين أو.. أو.. أو.. من الاشتراطات، لأن هذه الاشتراطات لا تستقيم بأي حال من الأحوال مع القهوة والشاي والعصير الذي يقدم كل ربع ساعة أو مع عبارة «سموا على عشاكم يا هلا ومرحبا».
فلم أسمع عن اختراع كمامة تلبسها عند الأكل أو عند الشرب أو حتى عند التدخين، ولعل البعض يتفق على عبارة واحدة عند تبريره لوجوده في مثل هذا التجمع أن «الله الحافظ» وكأنه يتكلم عن دين لا أنتمي له أو خالق لا أعبده، ولكنه بجوابه هذا إنما يحاول أن يقنع نفسه بمبررات غير منطقية إطلاقا وكأن الله لم يأمرنا بأن نأخذ بالأسباب أو كأن المولى سبحانه لم يحذرنا من إلقاء أنفسنا بالتهلكة.
هذا هو منطق وتبرير جزء من الحاضرين، أما الجزء الثاني من الحضور فينفي الوباء بمجمله من باب نظرية المؤامرة وكأن الذي وافتهم المنية من جراء مضاعفات الوباء بطريق مباشر أو غير مباشر إنما توفوا من شد عضلي فقط، ولنا حديث بتفاصيل أكثر، والجزء الأخير من الحضور هم إما أنهم تلقوا اللقاح أو سبق وأن أصيبوا بالوباء، وعليه فإنهم أخذوا نصيبهم من الداء، ولن يصابوا به أبد الدهر.
يا سادتي لن يخرج تصور أي شخص بالكويت عن وباء كورونا عن هذه المعتقدات على اعتبار من يرى أن الأمر حقيقي ومرعب لن يكون حاضرا لهذه المناسبات إلا بأضيق الحدود أو على مضض.
يا سادتي اعلموني كيفية إقناع هذه الأنماط الثلاثة سالفة الذكر بأن المناسبات الاجتماعية محمودة بالظروف الطبيعية، ولكن سيل الوباء غطى على سيل التراحيب والمواجيب، أدام الله من اتقى الله بالكويت ولا أدام من يحاول تعميمه أفكاره المغلوطة.