لا تكاد تخلو الساحة السياسية في المنطقة العربية والشرق الأوسط من الحديث عن الإخوان، خاصة في السنوات الماضية التي أعقبت تصدرهم للمشهد في العديد من ثورات الربيع العربي، ووصولهم إلى سدة الحكم، والأزمات التي أعقبت ذلك، والتي انتهت بوضع جماعة الإخوان على قوائم الجماعات الإرهابية أو المحظورة في بعض الدول، ومنذ ذلك الحين والحديث والجدال لا يتوقفان عن الإخوان، ما بين (مشيطن) لهم ومتهم إياهم بالخيانة والعمالة، وما بين من يرفعهم إلى مصاف الشهداء والقديسين، والواقع أن كلتا النظرتين تفتقدان إلى الواقعية والمنطقية في التناول والطرح.
فبالنسبة لوجهة النظر الأولى الإخوان ليسوا شياطين، وبعيدون كل البعد عن نظام الماسونية العالمية، وأنا أضحك كثيرا، من هؤلاء الذين يحاولون تفسير معنى الإخوان بهواهم ومنظورهم الخاص والضيق والمتحذلق، فيرون أن كلمة إخوان هي تحريف عن كلمة خوان، وأن الإخوان ليس لديهم انتماء لأوطانهم، وإنما ولاؤهم الوحيد لجماعتهم، وهم لا يستندون في ذلك إلى دليل أو برهان، وإنما إلى نظريات المؤامرة وحروب الجيل الرابع وحتى السابع عشر، التي يضحكون بها على العقول الساذجة التي أدمنت استقاء المعلومات من المصادر المشبوهة فاقدة المصداقية والحياد.
فمتى خان الإخوان أوطانهم في الشرق أو حتى في الغرب؟، فلقد عشت عشرة أعوام في الولايات المتحدة الأميركية وجدتهم خلالها من أكثر الناس تفاعلا ونشاطا، وعملا من أجل الصالح العام، وإذا كان الأمر كذلك في الغرب، فهم أكثر خدمة لأوطانهم في الشرق، والعديد من المشاهد على التاريخ تشهد بذلك، فمتى تحالف الإخوان مع أعداء الوطن؟، ومتى باعوا مبادئهم أو أخلاقهم؟، ومتى قايضوا على ثوابتهم؟! في الحقيقة، لم يقدم منتقدو الإخوان دليلا واحدا عقلانيا ومقنعا لإثبات ذلك، وأعتقد أنهم لن يفعلوا لأنهم لن يجدوا، فكل ما يحاولونه هو تعليق فشل الأنظمة على شماعة الإخوان وتحويلهم إلى فزاعة لإخافة الشعوب والسيطرة عليهم وتضييق الحريات على الناس بدعوى محاربة الإرهاب والحفاظ على النظام العام، فانتبهوا أيها المتهرطقون، لأنه إذا كان المتحدث مجنونا، فالمستمع عاقل.
في المقابل فإن الجانب الآخر الذي يرفع جماعة الإخوان إلى مصاف القديسين والشهداء يجانبه الصواب كثيرا، فالإخوان جماعة سياسية لها ما لها وعليها ما عليها، ووصولها إلى سدة الحكم في بعض الدول، أوضح الكثير من جوانب الخلل في القيادة والقدرة على إدارة الأمور، وهو أمر معروف في الجماعات السياسية، حين تتحول من (يوتوبيا) حالمة تحاول الوصول إلى سدة الحكم، إلى (أيديولوجيا) تمتلك زمام السلطة ويجب عليها أن تواجه الواقع بكل توابعه ومستجداته، وأهم مستجد في هذه الحال هو أن تكون في موضع الدفاع عن سياساتك، بعد أن كنت مهاجما لسياسات وأيديولوجيات النظام الحاكم، وهو فارق كبير، أظهر خللا في استراتيجية الإخوان وإدارتهم للأمور.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن إدارة الأزمات في جماعة الإخوان أبانت عن أخطاء جسيمة في العديد من المواقف، مما أدى لخسارة لا تعوض على العديد من المستويات، ويبدو أن على الجماعة دفع الثمن الباهظ لهذه الأخطاء لفترة طويلة من الزمن، وتعد المراجعة ومحاولة تصحيح المسار هي الخطوة الأولى على الطريق الصحيح، وهي الخطوة التي لابد منها، إن كانت الجماعة تنوي البقاء والاستمرار.
٭ خلاصة المقال، فإن وجهات النظر المتطرفة هي أبعد ما تكون عن السياسية، والحكم على الإخوان ينبغي أن يكون من المنظور الواقعي والمحايد، لأن التطرف يمينا ويسارا هو ما يطلق عليه التشدد، والذي يفضي بدوره إلى المصطلح الذي يتفوه به الآن كل من هب ودب «الإرهاب»، ويبدو أن هذا هو الآخر يحتاج إلى بيان استكمالا لما بدأ في هذا العرض والتبيان، وإلى أن يحين هذا اللقاء، تقبلوا تحياتي يا إخوان!