بحكم تخصصي في الأدب الياباني ومعيشتي فيها، من أكثر الأسئلة التي أواجهها، هل الإعلام العربي يبالغ في جعل اليابان دولة مثالية، وهل اليابانيون مثاليون؟، عادة ما تكون الإجابة، أنه لا يوجد إعلام يخلو من المبالغات، واليابان دولة عادية، لها ما لها وعليها ما عليها، ولا توجد دولة كاملة، لكن اليابان بالنسبة للدول التي عشت ودرست فيها، تعتبر أقرب دولة للمثالية، ومن هنا جاءت فكرة هذا المقال بالتصور الذي كونته عن الشخصية النمطية اليابانية، وهو رأي شخصي.
الشخصية النمطية للياباني كما أراها هي مؤدب جدا، خلوق، يعبر عن رأيه دون أن يفرضه، يعرف كيف يتعامل مع الكبار، غير حازم ويميل للتردد أحيانا، خجول، ملتزم بالقواعد والآداب، مجامل لدرجة قبيحة، وهذه الشخصية تنعكس على الكبار والصغار، وأعتقد أن السبب وراء تكون هذه الشخصية هو البيئة اليابانية التي تحتوي على أغلب أنواع العيوب في الكرة الأرضية، زلازل، براكين، أعاصير، فيضانات، ٧٥% من مساحتها جبال غير قابلة للسكن، تعداد سكاني ضخم بمساحة محدودة جدا، فهم يعانون من الندرة بشكل كبير، ندرة المساحات الزراعية، ندرة المساحات السكانية، ندرة الموارد الطبيعية.
الندرة تصنع إنسانا منضبطا، فالمساحات النادرة في اليابان أجبرتهم على الاستفادة من كل قطعة أرض مهما كانت صغيرة، الكوارث الطبيعية أجبرتهم على أن يساعدوا بعضهم البعض، وإلا فلن يستطيعوا العيش، فأصبح الفكر الياباني يرتكز على فكرة، (الفرد للجماعة والجماعة للفرد).
في السابق كان ٨٠% من اليابانيين يعملون بالزراعة، ومعرضين بشكل دائم للفيضانات والأعاصير والزلازل والمساحات الزراعية نادرة، فكان يجب عليهم مساعدة بعضهم البعض، وتطوير أفكار جديدة بشكل دائم، وتقبل أي فكرة خارجية تنقذهم من الضيق الذي هم فيه، وهذا انعكس على الشخصية اليابانية، إضافة الى ذلك انتشار الأمراض بسبب الكثافة، وكانت تفتك بالأطفال خصوصا، غير الكوارث الطبيعية التي تقتلهم، فكان الأطفال الناجون من كل هذا يعتبرون لدى المجتمع الياباني ثورة، يجب أن يحافظوا عليها بكل ما استطاعوا من قوة، فالأطفال ثروة وطنية بالنسبة لهم، وهذا جعل المجتمع يتعامل مع الطفل كأنه شيء نادر، فاجتهدوا بتربيته بكل قدسية، وسخروا كل الإمكانيات لتعليمه، فأصبحت شخصية قادرة على العمل الجماعي متجانسة مع مجتمعها، تحت أصعب الظروف.