من الأسئلة البارزة في العقل العربي عن اليابان هو كيف تكوّن الفكر الياباني الذي أدى إلى تكوين الشخصية اليابانية؟، والإجابة عن هذا السؤال، تختلف بين دارس للفكر الياباني وآخر، ولذا لا توجد إجابة مثالية، لكن أعتقد أن أبرز ثلاثة عوامل أثرت أكثر من غيرها على الفكر الياباني الذي أنتج الشخصية اليابانية النمطية هي فلسفة أو تعاليم البوشيدو اليابانية، وتعاليم كونفوشيوس، وديانة الشنتو والبوذية.
كلمة بوشيدو تعني طريق المحاربين، وهي ترمز لمجموعة من التعاليم غير المكتوبة، يتناقلها اليابانيون من جيل إلى آخر، كانت ببدايتها مخصصة لطبقة المحاربين أو الساموراي، ولأنها كانت أعلى طبقة في المجتمع الياباني، كان اليابانيون يتخذونهم كقدوات، فانتقل فكرهم لعموم اليابانيين، بما فيهم العصابات اليابانية، وتنص على تعاليم كثيرة، أهمها التفاني في خدمة المجتمع ودخول الحرب لأجل الحفاظ على السلام، وليس لهدف الانتقام، فمقاتل الساموراي يجب عليه أن يرمي سلاحه ويعتزل الحرب في حال أحس بأنه يحمل ضغينة لخصمه، فدخول الحرب ليس للانتقام، إنما لخدمة والحفاظ على كينونة مجتمعه، لذا تجد الياباني يتفانى في خدمة مجتمعه سواء العائلي أو الوظيفي أو المجتمع الياباني بشكل عام، وهذه التعاليم أثرت على الشخصية اليابانية بجعلها شخصية تطبق القانون محبة فيه وليس خوفا منه.
أما تعاليم الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، فكان لها الدور البارز في تنظيم المجتمع الياباني، وأبرزها هو تقسيم المراتب البشرية إلى أربعة أصناف، الأعلى هو المعلم ويسميه اليابانيون «سينسي»، وله مرتبة مقدسة، وليس مقتصرا على مهنة المدرس بل في كل المجالات والمهن المختلفة.
ثم «السينباي» وهو الشخص الذي مازال يتعلم، ولكن تجاوز مرحلتك سواء في الدراسة أو الوظيفة أو حتى الألعاب القتالية، وللسنباي مكانة محترمة، ويجب أن يكلموه بطريقة محترمة جدا. ثم «الدواهاي» وهو الشخص الذي مازال في نفس مرحلتك، وهم أصدقاء فليتكلموا بطريقة عادية.
وأخيرا «الكوهاي» وهو الشخص الذي أقل منك مرحلة، وهذا تستطيع أن تكلمه بطريقة الأمر، وهو مستعد نفسيا لتقبل هذه الأوامر.
أما في الحياة العامة، فالأولوية في القيادة للأكبر عمرا، وهذه التعاليم جعلت من الشعب الياباني أكثر قابلية للعمل الجماعي، فمجرد ما أن يتكون فريق عمل ياباني يكون كل شخص يعرف مسبقا موضعه في الفريق.
أما تأثير ديانة الشنتو عليهم فهو إيمانهم بسمو العرق الياباني وإن كانوا لا يقولون ذلك علنا، إلا أنه واضح جدا في أفعالهم، وسبق أن صرح رئيس الوزراء السابق موري قائلا: إن اليابان هي دولة الإله، وهذا يعني أن اليابان هي مركز العالم، ومن معانيه أن العرق الياباني هو عرق الإله الذي يحق له السيطرة على العالم، وهذا طبعا عامل سلبي لكن له أثرا كبيرا على الشخصية اليابانية، وأثره يكمن بأن الأسرة اليابانية تربي أبناءها على الأفضل، بسبب إيمانهم برقي عرقهم، وقد يكون هذا سبب صعوبة الحصول على الجنسية اليابانية، ولنفس السبب أصبح المجتمع الياباني لا يسمح بالاختلاف، فالأطفال اليابانيون كلهم يحملون نفس الحقائب ونفس الأدوات المدرسية، وحتى لو كان والدا الطفل يرغبان بتنشئته تنشئة غربية، سينكر المجتمع عليهم ذلك.