أود في مقالي هذا أن أسلط الضوء للمرة «الألف» على طريقة الفاسد في هذا الزمن العجيب، والتي تفنن بها حين أصبح يدافع عن الأموال والممتلكات العامة بالعلن ويسرقها بالخفاء، وينبري للذود عن الحقوق جهارا ويستبيحها تحت ستر الظلام.
وبالتأكيد أن هذه الصورة النمطية من الفاسدين لن تعدم حيلة في استجلاب المريدين والمؤيدين والمدافعين بقناعة أو من دون قناعة متسلحين بأدهى سلاح يستخدم حاليا للقضاء على كل من تسول له نفسه التصدي له وهو سلاح المنصات الإعلامية التي باتت بنظري أخطر من أي فيروس عضوي قد يصيبنا.
فبهذا الزمان أصبح التحكم بعقول أغلب البشر يسيرا، وتغيير قناعاتهم سهلا، وفق ما يريد الفاسد حتى أصبحوا كالدمى يتم تحريكهم كيفما شاء الفاسد ومتى ما شاء، وحتما لن يلتفتوا لحقيقة الأمور كونها منطقية كانت أم عقلانية، لما لا؟ فالمال الفاسد لا يجلب إلا تابعا فاسدا وهذا التابع يستطيع أن يصنع رمزا يتبعه من هم على شاكلته من «ألواح التوصيل» التي لا تعي ما تنقل، ولكنها تنقله بأي حال، ولا ترى إلا ما يود لها الفاسد أن تراه، حتى أصبحت كحال السكير الذي يبحث عن مفاتيحه تحت إنارة الشارع العمومي، يصادفه شخص ويعرض عليه المساعدة، ثم يسأل السكير بعد عدة دقائق من البحث إن كان واثقا من المكان الذي فقد فيه مفاتيحه، فيرد السكير: «كلا، لست متأكدا، لكن هذه البقعة الوحيدة التي توجد فيها إنارة».
يا سادتي الفساد وجه واحد فليس هناك فساد ممنوع وآخر مقبول وثالث يصبح «نص نص»، بل هو فساد واحد بالبر كان أم بالبحر أو «حول البحر»، فنيا كان أو تعاقديا أو لوجستيا، فسرقة النقود لا تفرق عن سرقة الكهرباء ولا تفرق عن سرقة الأحلام.
يا سادتي، إن من يتبعون الفاسد تحت أي غاية مرجوة هم أخطر من الفاسد نفسه، فأمثالهم يجعلون من عملية محاربة الفساد والمفسدين أمرا مستحيلا عندما يقلبون الحق باطلا ويحاولون زعزعة الصورة الشريفة لأي رجل شريف يتصدى لهم ويحاولون إفقاده المصداقية والثقة بالنفس، ولكن من ثبت على الحق لا يعنيه نعيق غربان لأنه تعود على تلقي الضربات من هنا وهناك حتى جعلته أكثر صلابة أو كما يقول المثل «بس المسمار الصحيح يجيله ضرب لكن المسمار الأعوج ما حد يقرب منه».
أدام الله كل من اتقى الله في الكويت ولا أدام من يراها عزبة من أقصى الجنوب لأقصى الشمال.