في حين أن الجولة الأولى لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والاتفاق العسكري الناجح لتقاسم التكاليف العسكرية مع سيئول، ربما يكون قد ساهما في تخفيف المخاوف الفورية من احتدام التوتر بين واشنطن وسيئول، إلا أن بايدن ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي ان، ربما يختلفان بشأن أفضل السبل لمعالجة قضية كوريا الشمالية.
وبشكل خاص، من المقرر أن تشمل مراجعة بايدن لسياسة الولايات المتحدة بشأن كوريا الشمالية حقوق الإنسان، وهي قضية يعتقد مون أنها ستعيق الجهود المبذولة للتعامل مع بيونغ يانغ. وعلى الرغم من أن كلا من بايدن ومون يؤيدان تحقيق السلام بين الكوريتين، إلا أن تعريفهما للسلام وكيفية تحقيقه مختلفين للغاية.
وقال جايسون بارتليت، الباحث في برنامج الطاقة والاقتصاد والأمن بـ«مركز الأمن الأميركي الجديد»، وأوليفيا غروتينهويس، الباحثة في مركز مؤسسة «هونداي موتور ـ كوريا» للتاريخ والسياسة العامة الكورية التابع لمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين في تقرير بمجلة «ناشيونال انتريست» الأميركية إن هناك مثلا صينيا يقول «سرير واحد وأحلام مختلفة»، وهو مثل تم تبنيه في اللغة الكورية لوصف المواقف التي يعمل فيها طرفان أو أكثر معا ظاهريا ولكن لديهما أهداف أو استراتيجيات مختلفة إلى حد كبير.
وأوضح الباحثان أنه بينما يدفع كل من بايدن ومون من أجل السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، فإن هناك انقساما عميقا بين البلدين، حول كيفية التعامل مع كوريا الشمالية يكمن تحت السطح.
وخلال العملية الحالية لمراجعة العقوبات والسياسة الخارجية، أشارت إدارة بايدن إلى نيتها لتبني نهج متشدد ضد انتهاكات بيونغ يانغ لحقوق الإنسان والاستفزازات العسكرية.
فقد انتقد بايدن أثناء حملته الانتخابية في عام 2020، انفتاح الرئيس السابق دونالد ترامب تجاه نظام كيم جونغ اون من خلال تشبيه مراسلاته الدافئة لكيم بأنها «عناق السفاحين»، مما يشير إلى اعتزامه وقف أشكال مماثلة من التعامل.
في المقابل، يواصل مون الدعوة إلى دمج كوريا الشمالية في المجتمع الدولي. على سبيل المثال، من خلال دعوته لليابان للسماح لبيونغ يانغ بالمشاركة في أولمبياد طوكيو 2021، وبينما رحب مون بـ«عودة» أميركا بعد تنصيب بايدن، فمن غير المرجح أن يتبنى سياسة الولايات المتحدة بشأن كوريا الشمالية بنفس المستوى من النشاط.
وعلى الرغم من بداياته المتواضعة كمحام لحقوق الإنسان وقائد في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي في الحركة المؤيدة للديموقراطية في كوريا الجنوبية، يمتنع مون عن الاعتراف بوضع حقوق الإنسان لكوريا الشمالية في البيانات الرسمية للبيت الأزرق (مقر حكمه) أو التفاعلات العامة مع بيونغ يانغ.
وفي الآونة الأخيرة، رفضت كوريا الجنوبية المشاركة في رعاية قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يدين الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية للعام الثالث على التوالي في مارس الماضي من هذا العام.
وفي مقابلة مع صحيفة «هانكيوريه» الكورية الجنوبية، دعا الدكتور مون تشونغ إن، المستشار السابق للرئيس مون، إدارة بايدن إلى إعادة النظر في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان مع بيونغ يانغ، بزعم أن «كوريا الشمالية سترفض الحوار». ومع ذلك، من المرجح أن يواصل البيت الأبيض والكونغرس الأميركي نهجهما.
وقال الباحثان بارتليت وغروتينهويس في تقرير المجلة إنه فيما يتعلق بدمج إطار حقوق الإنسان في سياستها إزاء كوريا الشمالية، فإن سيئول تاريخيا كانت دائما متأخرة عن واشنطن.
فمثلا، أقر الكونغرس الأميركي قانون حقوق الإنسان في كوريا الشمالية في عام 2004 بدعم من الحزبين، بينما فشل التقدميون والمحافظون الكوريون الجنوبيون في التوصل إلى إجماع على قانون حقوق الإنسان الخاص بكوريا الشمالية حتى عام 2016.
ومع ذلك، ذهبت إدارة مون ومكوناتها إلى أبعد مدى لضمان أن محادثات حقوق الإنسان لا تعرقل الحوار الحالي بين الكوريتين، وكان أحدث مثال على ذلك هو التعديل الجديد لقانون تطوير العلاقات بين الكوريتين الذي يجرم ممارسة إطلاق البالونات الطائرة التي تحمل منشورات مناهضة للنظام ومواد ثقافية مثل وسائل إعلام كورية جنوبية وموسيقى وأفلام وعملة إلى داخل كوريا الشمالية.
وفي ترديد لصرخة الاحتجاج من جانب النشطاء الكوريين الشماليين المنشقين في سيئول، أصدر كريس سميث عضو الكونغرس (وهو جمهوري عن ولاية نيوجيرسي)، والرئيس المشارك للجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان بالكونغرس بيانا يدعو وزارة الخارجية إلى «إعادة تقييم التزام جمهورية كوريا بالقيم الديموقراطية في تقريرها السنوي عن حقوق الإنسان».
وعلى الرغم من أن هذا الجدل قد تسبب في انقسام سول قبل تولي إدارة مون، إلا أن الاهتمام الأخير غير المسبوق من المجتمع الدولي من المرجح أن يسلط الضوء على جهود مون، التي يغلب عليها التكلف، لتجنب محادثات حقوق الإنسان مع كوريا الشمالية.
وبالنسبة للولايات المتحدة، ليس من المحتمل أن تهمش واشنطن قضايا حقوق الإنسان من أجل فرصة تقارب محتملة مع كوريا الشمالية، ولكن قد تتبنى الحكومة الأميركية دورا أكثر صراحة في تحدي سياسة التعامل أو التواصل المفرط في سول مع بيونغ يانغ.
وعلى سبيل المثال، فإن الجدل الأخير حول الخطط المزعومة لحكومة كوريا الجنوبية لبناء محطة للطاقة النووية في كوريا الشمالية من خلال إطار التعاون في مجال الطاقة بين الكوريتين يشير إلى الحاجة الملحة لواشنطن لإعادة تقييم نهج حرية التصرف أو عدم التدخل في الحوار بين الكوريتين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار وزارة الوحدة في كوريا الجنوبية بتعليق دخول بعض منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية إلى «مراكز هاناوون» (لدعم توطين الهاربين الكوريين الشماليين التابع لوزارة الوحدة) من المرجح أن يشجع على انتقادات متزايدة من الخارج. ونظرا للطبيعة الغامضة لكوريا الشمالية، توفر مراكز دعم إعادة التوطين للاجئين الكوريين الشماليين مصدرا للمعلومات لا يقدر بثمن للمنظمات التي تحاول جمع وتحديد البيانات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
ويتعارض هذا القرار مع تعهد إدارة بايدن بإدراج حقوق الإنسان والجهود المؤيدة للديموقراطية في سياستها الخارجية العامة للولايات المتحدة، بما في ذلك نهجها إزاء كوريا الشمالية. ومع ذلك، فبينما يسعى مون لتحقيق انفراجة كبيرة مع بيونغ يانغ قبل إنهاء عامه الأخير في منصبه، فمن غير المرجح أن يغير مساره في استراتيجيته تجاه كوريا الشمالية.