«بقلم المستشار بالديوان الأميري والسفير الثاني للكويت لدى الصين محمد عبدالله أبوحسن»
تايوان جزء من الصين
لم أكن قد زرت الصين من قبل ومن خلال دراستي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة والتي كنت خلالها أتابع الأحداث العالمية، كنت شغوفا بموضوع محاولات حكومة جمهورية الصين الشعبية لنيل حقها في عضوية الأمم المتحدة، بدلا من جزيرة تايوان التي كانت تحتل مقعد الصين في الأمم المتحدة وهي جزء من الصين التي انفصلت عنها عسكريا بعد الحرب الأهلية في الصين.
ونتيجة للتأييد العارم من الغالبية العظمى لأعضاء الأمم المتحدة وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25/10/1971م باعتماد جهورية الصين الشعبية بشكل رسمي في الأمم المتحدة كممثل للصين وتمكنت من إقصاء تايوان من العضوية.
وكانت الكويت أول دولة خليجية تعترف بجمهورية الصين الشعبية وتقيم معها علاقات ديبلوماسية كاملة كصين واحدة وموحدة وتفتح لها سفارة في بكين.
وتشاء الأقدار أنه وخلال عملي في سفارة الكويت في طهران عام 1973 أن قررت حكومة بلادي تعييني سفيرا مقيما في جمهورية الصين الشعبية وكان ذلك مفاجأة لم تكن لي في الحسبان حيث لم أكن قد أكملت سبع سنوات للعمل في الخارج، وأن أتولى منصب السفير في دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن وذات قوة عالمية متزايدة ونشاط ديبلوماسي كبير جدا، وقد كنت السفير الثاني للكويت في الصين. تقدمت لأوراق اعتمادي كسفير مفوض وفوق العادة يوم 8/8/1975م بعد خمسة أيام من وصولي الى بكين يوم 3/8/1975م وغادرت منصبي يوم 5/9/1978م.
تسليم أوراق الاعتماد إلى أكبر رئيس دولـة سنــاً من أصغر سفير سناً
وبقدر ما كان تحديد موعد تقديم أوراق اعتمادي بعد خمسة أيام من وصولي إلى بكين مفاجأة سارة، لأن العادة أن يتم تسلّم أوراق اعتماد أي سفير من رئيس الدولة بعد مدة أطول بكثير خصوصا وإني وصلت إلى بكين في وقت إجازات الحكومة الصينية، إلا أن المفاجأة الأكثر سرورا لي كانت أن أبلغني مدير التشريفات في وزارة الخارجية الصينية أنه ولأول مرة في تاريخ تقديم أوراق اعتماد السفراء، والذي يتم دائما في قاعة الشعب الكبرى في بكين أنه سيكون ولأول مرة تقديم أوراق اعتمادي في منتجع صيفي لرئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني في منطقة بيتاخو، الذي يبعد عن بكين عدة ساعات بالقطار... وتأكدت بعد هذين الحديثين أن حكومة الصين تريد أن تعبر عن كامل تقديرها وامتنانها للكويت للحرص على أن يكون تمثيلها في بكين على أعلى المستويات وهو مستوى سفير، ولكون الكويت أول دولة خليجية تعترف بجمهورية الصين الشعبية، وتفتح فيها سفارة.
وأتذكر باعتزاز لقائي مع رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني حينذاك السيد تشوده وكان عمره في أواخر الثمانينات أن قال لي وهو يتسلم أوراق اعتمادي، أن أكبر رئيس دولة سنا يتقبل الآن أوراق اعتماد ربما أصغر سفير سنا، حيث كان سني حينذاك 32 عاما.
أعمل بشكل مضاعف ما في وسعي وبدون كلل لزيادة تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين في شتى المجالات
على إثر هذه المبادرات للحكومة الصينية قلت لنفسي إنه عليّ أن أعمل بشكل مضاعف ما في وسعي وبدون كلل لمزيد من تعميق العلاقات بين بلدينا، ليس على المستوى السياسي فقط إنما على بقية المستويات التجارية والاقتصادية والثقافية والصحية، وأن أتوسع في الترتيب لزيادة تبادل الزيارات بين المسؤولين في البلدين في شتى المجالات.
وكان أحد أهم الزيارات هي ما قام به حضرة صاحب السمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد إلى بكين عندما كان وزيرا للخارجية على رأس وفد كبير ومتنوع في مايو 1977م ولمدة خمسة أيام.
وأتذكر أنه وفي أحد لقاءاتي مع حضرة صاحب السمو الأمير حينذاك المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح أن طلب مني تحديدا النظر في كيفية استفادة الكويت من قدرات الصين في تحويل بعض الصحراء في الكويت الى مناطق زراعية خصوصا تلك القريبة من مواقع تحلية المياه، كما أتذكر أنه أراد أن تزود الصين الشركات الكويتية المتنوعة بجميع أنواع القرطاسيات واحتياجات المكاتب والمدارس للوازمها، حيث عرفت الصين بجودة نوعية منتوجاتها في ذلك النطاق وهذا يعني أن الأمير الراحل كان يعرف أشياء كثيرة عن إمكانيات الصين.
واستطعت أن أرتب زيارة لوزير الصحة في الكويت المغفور له د.عبدالرحمن العوضي الذي زار الصين يوم 28/11/1977م لستة أيام مع زوجته ووفد متخصص في العلاج بالإبر والعلاج الطبيعي والتمريض، وقد تم وضع اللبنة الأولى لما نحن عليه الآن من وجود فرق صينية كاملة للعلاج الطبيعي والوخز بالإبر والتمريض.
وكانت لوفود غرفة التجارة والصناعة في الكويت زيارات عديدة كان احداها وأهمها برئاسة المغفور له بإذن الله عبدالعزيز الصقر رئيس غرفة التجارة والشخصية الاقتصادية والسياسية المشهورة في الكويت والذي زار بكين يوم 4/5/1977م هذه الزيارة التي تزامنت مع زيارة وزير الخارجية آنذاك سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، يوم 5/5/1977م، والذي أعطى انطباعا لدى الحكومة الصينية أن زيارته تعني أن الكويت عازمة على فتح آفاق أوسع للعلاقات، ليس فقط في الجانب السياسي إنما حتى في جانب القطاع الخاص الذي يمثله خلال الزيارة رئيس غرفة التجارة والصناعة والذي كان بمعيته أيضا كبار رجال الأعمال والمستثمرين من الكويت.
كما قام بزيارة بكين يوم 25/7/1977م وزير الإسكان حمد مبارك العيار ليضع اللبنات الأولى لدخول الشركات الصينية في قطاع البناء، هذا القطاع الذي تطور بعد ذلك وإلى الآن ليكون أحد المعالم البارزة في العلاقات الثنائية بين الكويت والصين. كما تركز جهدي على توسيع العلاقات التي كانت قائمة في موضوع النفط والبتروكيماويات تحديدا حيث تعددت زيارة كبار المسؤولين الكويتيين في ذلك القطاع.
تمكنت من خلق نشاط في مجال الرياضة حيث زار الصين أحمد السعدون عندما كان رئيسا للجنة الأولمبية في الكويت.
كما تم الترتيب لفريق كرة السلة الكويتي لزيارة الصين، وأقيمت مباراة بحضور جماهير غفيرة، وأتذكر أن النتيجة كانت 98 هدفا لصالح الفريق الصيني و34 هدفا لصالح الفريق الكويتي. وأقمت حفلة عشاء على شرف الفريقين حضرها وزير صيني مسؤول عن شؤون الشباب وألقيت كلمة خلال العشاء وهنأت فيها الفريق الكويتي بالفوز على الفريق الصيني وليس فوز الفريق الصيني على الكويتي، ولاحظت كما توقعت استغراب الوزير الصيني وبقية الحضور مما قلت، وهم يعلمون أن الفريق الصيني هو الفائز، لكني قلت إنكم اخترتم أعضاء فريقكم من حوالي سبعمائة مليون نسمة (الشعب الصيني حينذاك) بينما نحن اخترنا فريقنا من بين حوالي نصف مليون كويتي تقريبا... وساد الضحك على العشاء.
وأسجل الآن بعد كل هذه السنوات إعجابي بالتطور الهائل في المشاريع الصينية في الكويت واحتمالاتها المستقبلية الواسعة وعلى رأسها مشاريع الطريق والجزر والمدن التي تم وضع نوايا بشأنها خلال الزيارة الأخيرة للمرحوم صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد خلال زيارته الأخيرة لبكين والذي كان لي شرف مرافقته فيها.
وانطلاقا من تجربتي في تمثيل بلدي بالصين وتطور نهضتها وتأثيرها السياسي والاقتصادي في العالم، كنت حريصا دائما وأنا أمثل بلادي في الأمم المتحدة لمدة 23 عاما على أن أصوت ضد أي مشروع قرار جرت العادة أن تطرحه بعض الدول والتي تسعى لانضمام مقاطعة تايوان كدولة في الأمم المتحدة، وكان هذا المشروع يفشل دائما وعدد الدول المؤيدة له تتناقص، ناهيك عن الدول المتبنية لهذا المشروع.
وكان هذا الموضوع محل تقدير كبير من حكومة الصين الشعبية للكويت وسياستها الثابتة تجاه وحدة الصين.
وكان لي شرف أن أزور الصين بعد تقلدي لمنصبي في الأمم المتحدة كمندوب دائم في نيويورك ضمن وفد سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حينذاك المغفور له الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح الأمير الوالد والذي أعجب بالإنجازات والمشاريع الصينية خصوصا في مدينة شنغهاي.
حياة أسرتي معي في الصين
رافقتني عائلتي طوال فترة السنوات الثلاث التي قضيتها في الصين، حيث زرنا كل المناطق الأثرية والسياحية في بكين، وشانغهاي وكانتون ومدن عديدة أخرى ولنا فيها ذكريات رائعة لا تنساها عائلتي حتى الآن. وكنا نزور الأماكن التاريخية العديدة مثل سور الصين العظيم وهو إحدى عجائب الدنيا السبع، وميدان تيان آن من والقصر الصيفي ومعبد السماء والمدينة المحرمة وحديقة بيهاي وحديقة حيوان بكين، حيث كنا نقضي وقتا ممتعا. كان رؤساء دول العالم وبالذات من الدول الإفريقية والآسيوية يترددون بكثرة لزيارة الصين، وكانت حفلات الاستقبال في المطار تثير الانتباه باستعراض شعبي راقص لحوالي المئات من الشباب والشابات يقدمون عروضهم أمام الرئيس الزائر. كان ابني مهند وابنتي ميسون يحرصان على أن آخذهما معي لمشاهدة مثل هذا الاستعراض المثير. وكانا يشاهدانه من الطابق الثاني في المطار بينما كنا نحن مع بقية السفراء نستقبل الرئيس الزائر. كانت زوجتي مهتمة بالتراث الصيني العريق وكانت تشتري بعض قطع الأثاث الأثرية والتاريخية وبعض اللوحات الفنية، الأمر الذي أوجد في منزلي في الكويت جناحا خاصا بالصين. كان ولدي مهند عمره حوالي سبع سنوات عندما انتقلنا إلى الصين. قد تأثر كثيرا خلال السنوات الثلاث التي قضاها معنا بما كان يراه من الالتزام والدقة في أداء الواجبات.
أعتبر نفسي محظوظا أن تكون بداية عملي كسفير في الصين، التي لاأزال أحمل لها وعائلتي كذلك أسمى مشاعر الإعجاب، خصوصا في السنوات العشر الأخيرة، حيث أصبحت قوة اقتصادية وسياسية وثقافية مؤثرة على خريطة العالم.