على ضوء ما تم ذكره في المقالات السابقة بشأن التشريعات الخاصة المنظمة لشؤون التوظف بديوان المحاسبة، وكذلك التشريعات العامة بالدولة في هذا الشأن، وممارسات الديوان المتعلقة بشؤون موظفيه، تتبين لنا ثلاثة حقائق:
٭ الحقيقة الأولى: في حال تجاوزنا مسألة مدى قانونية تحديد اختصاصات مجلس الوزراء بقرار صادر من المجلس ذاته وليس بأداء قانونية أعلى (قانون)، فإن مجلس الوزراء لا يملك من التشريعات التي تمكنه من تنظيم شؤون التوظف بالنسبة لسائر موظفي الدولة المدنيين إلا في الحدود الاستثنائية التي نظمها القانون، علما بأن القرارات التي تصدرها اللجنة العليا بديوان المحاسبة ليست قرارات استثنائية.
٭ الحقيقة الثانية: هي ان ديوان الموظفين (ديوان الخدمة المدنية حاليا) لا يملك أي سلطة تتعلق بشؤون التوظف إلا في الحدود التي وضحها المرسوم بقانون (15) لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية، وهي لا تمتد إلى سلطة مجلس الخدمة المدنية المبينة بأحكامه وعلى وجه التحديد المادة (5) منه والمتعلقة بإقرار وتعديل نظم المرتبات والتي تشمل المرتبات الأساسية والعلاوات الدورية والأجور الإضافية والبدلات وأي مزايا مادية أو عينية أخرى تتقرر للموظف، والتي هي تعتبر اختصاص أصيل لمجلس الخدمة المدنية دون غيره.
٭ الحقيقة الثالثة: لو أراد المشرع ان يمنح ديوان المحاسبة سلطة إقرار كل ما يتعلق بشؤون التوظف لموظفي الديوان بما في ذلك نظم المرتبات، لتمت إعادة النظر في اختصاصات اللجنة العليا بالديوان كما هو الحال في سلطة مكتب المجلس بمجلس الأمة، حيث منحت اللائحة الداخلية تلك السلطة لمكتب مجلس الأمة بموجب القانون رقم (12) لسنة 1963 وتعديلاتها، حيث يختص مكتب المجلس وفق الفقرة (ج) من المادة (39) بالآتي: «ان يضع في شؤون المجلس الإدارية والمالية وموظفيه القواعد والأحكام المنظمة لها، وفيما عدا ذلك تطبق القوانين واللوائح السارية بهذا الشأن، وله ممارسة الصلاحيات المقررة لمجلس الوزراء ومجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية ووزير المالية في ذلك».
وعلى ضوء ذلك تبرز لنا تساؤلات مستحقة تستلزم الوقوف عندها للتحقق من مدى سلطة ديوان المحاسبة في شأن شؤون موظفيه بالديوان وهي:
٭ هل يجوز تقرير أي استحقاقات مالية إضافية لرئيس الديوان بغير ذات الأداة القانونية التي قررت بها استحقاقاته كما هو واقع الحال حاليا، حيث انه بنص القانون يعامل معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش وسائر البدلات والمزايا المالية؟
٭ هل يجوز تقرير أي استحقاقات مالية لقياديي ديوان المحاسبة (نائب رئيس الديوان، وكيل والوكلاء المساعدين) بخلاف ما تم إقراره بموجب أحكام المواد 34 و37 و38 من قانون إنشاء ديوان المحاسبة؟
٭ هل تملك اللجنة العليا بديوان المحاسبة وفقا للمادة (47) من قانون إنشاء الديوان أي سلطة تتعلق بتنظيم شؤون موظفيه، وبالأخص الاستحقاقات المالية في ظل وجود مجلس الخدمة المدنية المنشأ بموجب المرسوم بقانون (15) لسنة 1979، والذي عقد المشرع له دون غيره إقرار وتعديل نظم المرتبات بتفصيلاتها وملحقاتها؟
٭ هل ما تم إقراره من استحقاقات مالية وكوادر مالية من قبل اللجنة العليا بديوان المحاسبة تستند إلى أساس قانوني في إقرار مثل تلك الاستحقاقات؟ أم يستلزم أخذ موافقة مجلس الخدمة المدنية المسبقة على كل قرار يصدر من قبل اللجنة العليا قبل تنفيذه لإضفاء الغطاء القانوني عليه؟
ختاما.. وفقا للحقائق والتساؤلات التي ذكرناها في مقالاتنا، نرى على الجهات المعنية التعامل مع تلك الحقائق والتساؤلات بشكل موضوعي وصولا إلى قرار بشأن مدى سلطة ديوان المحاسبة في تنظيم شؤون موظفيه، ومن تلك الجهات ديوان الخدمة المدنية وإدارة الفتوى والتشريع ممثلي الحكومة في اللجنة العليا، بحيث لا يقتصر دورهم على التصويت على قرارات اللجنة وإنما باتخاذ موقف حيال وجود أي قرارات لا تتسق مع القانون، وكذلك وزارة المالية وفقا لما نصت عليه المادة (18) من قانون إنشاء ديوان المحاسبة بالآتي: «تراجع مستندات وحسابات ديوان المحاسبة بواسطة وزارة المالية والصناعة ويخطر الديوان بما قد تسفر عنه هذه المراجعة من ملاحظات أو مخالفات لعرضها على رئيس الديوان لاتخاذ اللازم بشأنها طبقا لهذا القانون ويدرج ذلك في التقرير السنوي للديوان».
ومن جانب آخر، على ممثلي مجلس الأمة باللجنة العليا وهم رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية ورئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية، ان يكون لهم دور رقابي فعال على مقترحات ديوان المحاسبة بشأن شؤون التوظف فيه بما يتسق مع أحكام الدستور والقوانين المنظمة في هذا الشأن.
baderalhammad.com