الله سبحانه وتعالى يفرق بين الخلائق بالدرجات، وهذه حكمة جليلة ونظام عادل ومتوازن تتعظ منه الخلائق، حيث جعل الناس درجات في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا يؤتي الله بعض البشر من المسلمين والكفار نصيبا فاخرا من الدنيا ويفرق بين عبيده، منهم أغنياء ماديا ومنهم ما دون ذلك، فتتدرج الطبقات الاجتماعية على حسب مدخولها الاقتصادي إلى أن تصل للدنيا، لقوله تعالى: (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون) «الزخرف: 32»، تعني سخريا أي بالتسخير بعضهم لبعض ليتم التكافل بين أبناء المجتمع الواحد وبين أفراد المجتمعات تحت مظلة أمة واحدة، وعليه يتحقق الاتزان الاجتماعي في الطبقات لدى المجتمع، فالتفاوت المادي والأخلاقي والمعنوي والثقافي وفي القدرات بين الناس يحقق حالة من الاتزان الاجتماعي لدى المجتمع، فعلى سبيل المثال لو كان الناس كلهم أغنياء لما كان هناك عمل وعطاء مستهدف، ولو كان الناس كلهم علماء ومثقفون لما كان هناك عمل وعطاء مستهدف بين البشر يكفل لهم التكافل فيما بينهم، وهذا بالنسبة لدرجات الدنيا.
أما درجات الآخرة فهي تعتمد على الأعمال الصالحة في الدنيا من قول وفعل، فيقسم الله عز وجل البشر يوم القيامة إلى ثلاث فرق، فمنهم السابقون المقربون لله عز وجل، ومنهم أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين، ومنهم أصحاب الشمال، في سموم وحميم، ولكل فئة أيضا يتخذ أصحابها درجات لقوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) «المجادلة: 11»، وقوله: (وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) «الإسراء: 21»، ودرجات الآخرة تكون حسب ما يتحمله ويصبر عليه ابن آدم من بلاءات، والبلاءات درجات في الغنى والفقر وفي المرض والثبات عند المصائب بأنواعها وفي الأبناء والفتن.. وغيرها، يقول الله عز وجل: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) «الأنعام: 165»، وجعل الله عز وجل الناس درجات من أجل بيان المؤمن الصابر المطيع من الكافر الجاحد العاصي.
وكذلك الكفار في كفرهم وفجورهم وفسوقهم وفي عقابهم أيضا درجات، والجنة درجات والنار درجات، وكل شيء خلقه الله جعل منه الدرجات، والحكمة من ذلك لأجل ثلاثة: التكافل - الاتزان الاجتماعي - العدل.
كذلك جعل الله البهائم من الدواب وغيرهم درجات لأسباب، الأول: في قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) «الأنعام: 38»، حيث أمثالكم كمجتمع متكافل متعاون منظم، والثاني: يكون في التكافل الغذائي أو ما يسمى بالسلسلة الغذائية، أي اعتماد تلك المخلوقات في تأمين غذائها على بعضها البعض، فالكبير يأكل الصغير والصغير يحلل الكبير عند موته والبعض يكن تأمين لبيئة الإنسان من الأضرار، فعلى سبيل المثل هناك من الحيوانات وجودها مهم من أجل خلو البيئة من القوارض المضرة للبشر، وتبقى حكمة الله في ثلاثة: «العدل - التكافل - التوازن البيئي».
والأمثلة في خلق الله تعالى كثيرة، لا تعد ولا تحصى، وهذا يكمل مبادئ خلق الله للكون في الاختلاف والتنوع، فهذه سنة وشريعة جليلة من أجل العمل التكافلي من جهة، ولتحقيق الاتزان والعدل من جهة أخرى، وأركز على كلمة الاتزان، فهو عنوان للكون بأكمله وما فيه من مواد وطاقة وأحياء.. فالله عز وجل العدل لجميع الخلائق، يقول تعالى: (خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون) «النحل: 3».
family_sciences@