مازالت محاولات الولايات المتحدة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني، وإعادة إقامة حوار ديبلوماسي مع إيران تواجه عقبات من جانب أطراف في منطقة الشرق الأوسط، لها أهدافها الخاصة التي تتعلق بالحيلولة دون إحياء هذا الاتفاق.
ويقول محلل السياسات الخارجية الأميركي أليكسندر لانجلويس إن دولا تسمى «حلفاء» الولايات المتحدة تفضل بقاء الوضع الراهن في الشرق الأوسط على ما هو عليه - وهو يتمثل في غطاء أمني أميركي يدعم مغامراتها ومحاولاتها الخطيرة في أنحاء المنطقة، كما تعزز قصور التواجد الأميركي من خلال العمل على إفساد هذا الاتفاق، كما يوضح الحادث الأخير ضد المفاعل النووي في نطنز.
ويؤكد لانجلويس الذي يركز في تحليلاته على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية، أنه يتعين النظر إلى مثل هذا الحادث كما هو على حقيقته- باعتباره محاولة صارخة وغير مقبولة لتخريب المفاوضات الديبلوماسية المشروعة والإبقاء على انخراط واشنطن العميق في أمن الشرق الأوسط.
وليس من الممكن التقليل من مخاطر ذلك التخريب في ضوء أهمية المفاوضات الجارية بشأن الاتفاق النووي في العاصمة النمساوية ڤيينا حاليا. وتواجه الولايات المتحدة وإيران صعوبة فيما يتعلق بالعودة للاتفاق، حيث تجري الدولتان مفاوضات ديبلوماسية غير مباشرة مع محاورين أوروبيين وأعضاء آخرين في الاتفاق النووي، بما في ذلك الصين وروسيا.
وتمثل هذه الجهود محاولة أخيرة لإعادة واشنطن وطهران إلى الانصياع للاتفاق قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو المقبل - وهو إنجاز مهم يمكن أن يفتح حوارا بشأن قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى.
ويرى لانجلويس، الحاصل على الماجستير في الشؤون الدولية من كلية الخدمة الدولية بالجامعة الأميركية، أنه لذلك يثير توقيت الهجوم على نطنز مخاوف خطيرة.
وهناك دلائل متعددة، بما في ذلك بيانات مجهولة المصدر لمسؤولين في المخابرات الأميركية والإسرائيلية تشير إلى مسؤولية إسرائيل عما يبدو أنه هجوم سيبراني على منشأة نطنز النووية في 11 الجاري.
وتردد أن الهجوم تسبب في انفجار أو حريق ألحق أضرارا بالغة بالأنظمة الكهربائية أو أجهزة الطرد المركزية المطلوبة لتخصيب اليورانيوم.
وأسفر هذا الحادث عن رد فعل سلبي متوقع من جانب طهران، وتوعد بعض المسؤولين الإيرانيين بالانتقام.
وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت طهران أنها تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 60%- وهي زيادة كبيرة قريبة من نسبة الـ 90% الضرورية لإنتاج أسلحة نووية.
وأضاف لانجلويس أن مثل هذا الهجوم أسلوب تكتيكي تقليدي للتخريب، حيث انه يهدف لاستفزاز رد سلبي من جانب طهران. وتعرف إسرائيل، التي تلتزم بسياسة واضحة بعدم تأكيد أو نفي دورها في الأعمال السرية ضد إيران، أنها لا تستطيع فقط أن تدفع إلى ردود فعل عنيفة من جانب إيران بمثل هذه الأعمال ولكن أيضا بالقيام بذلك تتسبب في أن تطلب إيران المزيد في المفاوضات.
وتحتاج إسرائيل فقط الإشارة إلى ما قامت به إيران ضد سفينة مملوكة لإسرائيل، وجهودها المستمرة لتخصيب مستويات أعلى بصورة متزايدة من اليورانيوم لتقويض أي إحياء للاتفاق النووي الإيراني. ومن المؤكد أن هذا الأمر يتجاهل حقيقة أن التصرفات الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي وتعزز موقف المتشددين الإيرانيين الذين بالمثل لا يرغبون في اتفاق مع الولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك، فإن الأعمال التي يقوم بها المخربون تهدف عن قصد إلى أن تتسبب في مشاكل داخلية لإدارة بايدن. إذ ان الحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه بايدن يضم الكثير من المتشددين بالنسبة لإيران، والذين على استعداد لاستغلال أي دلالة على عدوان إيراني كسبب للمطالبة بالحصول على المزيد في المفاوضات أو العمل على أن يزول الاتفاق. وفي ظل كونغرس منقسم على نحو ضيق، لا يتمتع فريق بايدن بمساحة كبيرة للمناورة إذا كان يأمل في تحقيق أهداف طموحة وذات قيمة كبيرة بالنسبة للسياسة الداخلية.
ويقول لانجلويس ان المخربين المحتملين في أنحاء الشرق الأوسط يدركون أيضا هذه القيود الداخلية وغيرها من مخاوف الأمن القومي الأميركي، وغالبا ما يقومون باستغلالها لمد أجل الغطاء الأمني الأميركي في أنحاء المنطقة إلى ما لا نهاية. ويحتاج المرء فقط أن يلاحظ الأوضاع التي تشهد جمودا في اليمن وليبيا، أو استمرار احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية وقصف شرق سورية ليدرك نتائج تواجد أميركي عميق في المنطقة.
وأشار لانجلويس إلى تصرفات إيران الشريرة مثل دعم الجماعات المسلحة والقمع الوحشي للمعارضين. كما أشار إلى أن هناك نشاطا مماثلا في دول المنطقة إلى حد ما.
ويرى أن أفضل تصرف يمكن أن تقوم به واشنطن للحد من الأعمال العدائية في أنحاء المنطقة هو وقف دورها كقوة شرطة إقليمية أحادية الجانب، واستخدام الديبلوماسية للجمع بين الدول من خلال الحوار والآليات الإقليمية. ويبدأ هذا بعقد اتفاقيات مثل الاتفاق النووي، الذي يمكن أن يبني الثقة بين طهران وواشنطن وتتيح إجراء مباحثات للمتابعة من أجل جهود تحقيق السلام في المنطقة والإنهاء التدريجي المستمر للتواجد الأميركي مما يدعم المزيد من التكامل.
واختتم لانجلويس تقريره بالقول إن الأمر الأكثر أهمية هو دعم مثل هذه الجهود من خلال الرفض العلني للمخربين وتصرفاتهم التي تعجل بالصراعات المفتوحة على حساب المصالح الأميركية والأبرياء. وللأسف لا يبدو من المحتمل في الوقت الحالي أن تدين واشنطن علانية تصرفات شركائها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت الذي تحاول فيه تغيير موقفها تجاه المنطقة.