«علمناهم السياسة سبقونا على الاستجوابات»، جملة تردّدت دون معرفة قائلها في أواخر التسعينيات، إن لم تخني الذاكرة، ونسبت لأكثر من نائب ولم تثبت على أي منهم، وبقيت عالقة معلقة، قيلت تلك الجملة عندما كانت الاستجوابات شحيحة نادرة وتقدم بحذر شديد، بل لا تقدم إلا بعد حساب وجمع وطرح وتنسيق وتأخير وتقديم، قيلت تلك الجملة عندما كانت الاستجوابات رهن حسابات سياسية أكبر من المجلس.
***
كانت مواجهة الاستجوابات بالنسبة للحكومة عاصفة سياسية لا تهدأ إلا بتوقف الاستجواب عند تصويت طرح الثقة والذي عادة ما يكون عبورا سهلا، ولكن مناقشة الاستجواب بحد ذاتها كانت أزمة كونها تكشف الكثير مما لا تريد الحكومة كشفه، مجرد طرح المعلومات خلال مناقشة الاستجواب كان حرجا سياسيا للحكومة وإن عبر وزيرها فذلك كشف ما لا تريده الحكومة.
***
الاستجوابات اليوم أصبحت أداة حاضرة في يد النواب وتقديمها أصبح مثل تقديم الأسئلة البرلمانية مع الفارق، ولا يوجد ما يمنع النائب من تقديم استجوابه سواء منفردا أو بشراكة نواب آخرين، في السابق أيضا كان استجواب رئيس مجلس الوزراء من المحرمات سياسيا لاعتبارات سياسية أعلى باعتبار المنصب محظوراً بروتوكولياً! اليوم ومنذ 2006 وبفصل المنصب، أصبح استجواب رئيس الوزراء ممكنا وتكررت الاستجوابات، وأغلبها منذ ذلك الحين حتى اليوم سواء، التي تستهدف رئيس مجلس الوزراء أو وزراءه، هدفها سياسي، أغلبها جزء من تحرك الصراع السياسي وبعضها جزء من الحرب السياسية، وتتكرر، وما استجوابات اليوم بمختلفة عن استجوابات الأمس إلا بتغير اللاعبين، بعضها طبعا خارج تلك الصراعات ولكن أغلبها ليس كذلك.
***
طبعاً اليوم الحكومة ابتكرت طريقة يمكن تسميتها التحصين المسبق بأي استجواب لرئيس الحكومة وهي أقرب إلى الالتفاف على الاستجوابات، بل هي التفاف سياسي بمناورة ناجحة نفذتها الحكومة استغلالا لثغرة لا تمنع ولا تسمح بهكذا إجراء لتعتبر سابقة.
***
توضيح الواضح: تحركات المعارضة الأخيرة يمكن أن تغير المشهد بالكامل، فالسيناريوهات تتغير باستمرار والتحالفات تتغير.
[email protected]