الليلة قبل البارحة، تبينت لي ملامح رقص العفاريت في وضعية غريبة عجيبة «على الدرج»، فها هو بردقوش العفريت يزعجني كعادته السمجة ليحدثني عن السياسة وكواليسها، غير انه جاء هذه المرة بأسلوب جديد، وفي البداية ولمن لا يعرف «بردقوش» هو عفريت متمرس في أمور السياسة دأب على زيارتي للنقاش فيما يستجد من أوضاع، وهو خبير في علم الكلام والسياسية والاقتصاد والاجتماع.
نعود لتلك الليلة، وأنا راجع من صلاة القيام فوجئ ببردقوش واقفا في منتصف درج البيت الداخلي مرتعشا ومرتعدا وبحركات عجيبة، لكنني بعد قليل تبينت أنها نوع من الفلكلور الفني الجني، فسقطت على الأرض من شدة الضحك قائلا «ايش فيك يا ابن العفاريت، ملبوس انت»، متعجبا جاء رد بردقوش ومكملا «مناور، ما فهمت؟!» فأجبته مسرعا: لا طبعا فهمني انت، بتعرفني بالفلكور الفني للعفاريت، فقاطعني بردقوش وعلى وجهه علامات الجدية: لا يا صاحبي هذا وضع الكويت الحبيبة، هذا دلالة على أن الفلكور السياسي الحالي في الكويت فاشل فاشل، فرقصهم على عتبات الدرج، لا أحد يراهم، ولا أحد يسمعهم، ولا أحد يفهمهم، باختصار «محلك سر»، لم أتمالك نفسي من الضحك وأنا أصيح «يا بن الجني يا بردوقوش، شالتوصيف»، فرد مسرعا بردقوش: يا صاحبي كل شيء على وضعه لا جديد، فالحكومة كما هي محلك سر، ولم تقدم الجديد، والمعارضة كما هي، وأيضا لم تقدم الجديد، والدليل على ذلك أن الشارع الكويتي المعروف بفكره ووعيه السياسي هو الآخر تحول إلى محلك سر، فلا هو ميال للحكومة، ولا هو ميال للمعارضة، وأكبر خطر في السياسة هو الوصول إلى هذه المرحلة، لأن معناها أن هذا الوضع المتجمد لن تحركه إلا الأزمات والكوارث والعياذ بالله، وساعتها لا ينفع الندم، قاطعته قائلا: تكفى بلا تشاؤم، الكويت ما راح تتحمل مرة أخرى كوارث ومصائب، الله وحده هو العالم فيها وفينا، والله يسترها علينا وعليها، لكن يا بردقوش شنو الحل؟!
الحل هو الحركة يا مناور، «التجديد ثم التجديد ثم التجديد» على مستوى الحكومة وعلى مستوى المعارضة، فالحكومة كانت حجتها من قبل أن المجلس كان معارضا وكان يوقف مشاريعها التنموية، والمعارضة هي الأخرى توقف طرحها على الرفض والنقد، ولا زالت عاجزة عن توحيد الصفوف أو طرح البرامج والخطط التنموية البديلة، أو التجديد، ولذلك فالشارع الكويتي مل، وانصرف عن الطرفين، ووقف محلك سر، لأنه يرى أن معظم الأطراف تسعى لمصالحها الشخصية، ولا أحد ينظر إلى صالح ومستقبل الكويت والمواطن الكويتي، ولذلك فالمواطن في انتظار أي بارقة أمل أو أي رياح للتغيير، لتحريك الوضع الساكن والمياه الراكدة، قاطعته وأنا أحرك رأسي كحكيم هندي «كلام كبير يا بردقوش»، لكن نتمنى من كل الأطراف أن يدركوا عواقب الخلاف وينتبهوا إلى مصلحة الكويت قبل أن يأتي الطوفان.. ممكن طلب أخير يا بردقوش، اتفضل، ممكن تكمل وصلة الرقص العفاريتي لأن الموضوع بدأ يعجبني؟!
وأخيرا غادر العفريت، فتوضأت وصليت ودعيت للغالي أخو الغاليين المرحوم ناصر مطلق الراجحي بالمغفرة والرحمة (اللهم يا حنان، يا منان، يا واسع الغفران، اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم بدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وبارك منزله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار يا رب) إنا لله وإنا إليه راجعون.