أعلنت الهند ذات مرة انتصارها على «كوڤيد - 19» ولكنها تعاني الآن وسط أزمة صحية غير مسبوقة. وقد وضع هذا الأمر حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي في قفص الاتهام، حيث قال منتقدوها إنها أساءت إدارة الجائحة بشكل هائل.
وتصطف الجثث في أراض مخصصة للحرق، بينما يتصاعد الدخان من المحارقة الجنائزية التي تشتعل باستمرار في سماء المدن. وفي الخارج في الشوارع يلهث المرضى لالتقاط الأنفاس حيث يتم إعطاء الأكسجين من قبل المتطوعين وينتظر العديد في طوابير خارج المستشفيات يتسولون القبول.
إن المشاهد المروعة من كارثة «كوفيد ـ 19» في الهند تجسد المحنة المطلقة التي يشعر بها الأشخاص الذين تركوا بمفردهم دون أي مساعدة من السلطات.
وتجاوز عدد الإصابات الـ 20.3 مليون حالة في الهند مع تفاقم أزمة الرعاية الصحية، حيث يموت العديد منهم بسبب نقص الأكسجين أو أسرة المستشفيات أو الأدوية.
ويعد جيتيندر سينغ شونتي، الذي يدير منظمة إغاثة تنقل الجثث وتحرقها مجانا، شاهدا على الأهوال التي تشهدها نيودلهي يوميا.
إذ يقول الرجل (58 عاما) في محرقة بشرق دلهي: «كنت أعتقد أنني قد تبلدت مشاعري بعد رؤية الآلاف من عمليات حرق الجثث. ولكن هذه المرة، انهرت وبكيت مع أقاربي».
وأضاف: «أرى جثث أطفال صغار وشابات، لقد قدمنا إلى النيران عروسا شابة تزوجت قبل 10 أيام».
ويعيش شونتي فعليا في المحرقة في الوقت الحاضر، ويقوم بحرق الجثث حتى وقت متأخر من الليل وينام في سيارته. وأصيبت أسرته أيضا بكوڤيد -19. وتستمر الجثث في الوصول في عربات الريكشا الهندية والشاحنات والسيارات.
وعلى مدى السنوات الـ 25 التي كان يحرق فيها الجثث، كان يرى عادة 10 جثث في اليوم، ولكن هذا العدد يبلغ الآن في المتوسط 120 جثة، الأمر الذي يجبر القائمين على المحارق على إقامة محارق جديدة في حديقة مجاورة، على غرار مواقع الجنائز الأخرى التي تنفد مساحتها في الهند.
ويقول شونتي إنه لا يوجد ثمة دلالة على وجود حكومة على الأرض. وقد استمر نقص الأكسجين والأسرة لمدة أسبوعين تقريبا.
وأضاف: «ليس الأشخاص الذين يموتون في دلهي، إنها الإنسانية التي تموت أيضا.. كثير من الأشخاص يموتون ليس بسبب كوڤيد، ولكن لأنهم لا يتلقون أي علاج. هل تسميها موتا أم قتلا؟» وهناك العديد من القصص المروعة المحيطة بانهيار الرعاية الصحية في الهند.
وتوفيت أم مصابة بكوڤيد - 19 في موقف سيارات بمستشفى قريب من دلهي بعد انتظارها لمدة 3 ساعات للحصول على سرير.
وفي ولاية مادهيا براديش بوسط البلاد، قال الطبيب براتيك سوني إن ابن عمه توفي في مستشفى حكومي بعد مشاكل في إمدادات الأكسجين.
وقال سوني: «الحكومة متفرجة صامتة.. المسؤولون مشغولون بتلفيق الأكاذيب».
وفي الوقت الذي تجتاح فيه الموجة القاتلة الثانية من «كوڤفيد ـ 19» البلاد، حيث تسجل نحو 400 ألف إصابة يوميا في أرقام قياسية عالمية جديدة، طال الغضب من سوء التعامل مع الجائحة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وتعرضت حكومة الزعيم القوي لانتقادات شديدة بسبب سوء قراءتها للوضع، وعدم الفعالية في استجابتها والتقليل من عدد المرضى والوفيات.
وكانت الأخطاء واضحة منذ وقت مبكر. وفي يناير، قال مودي للمنتدى الاقتصادي العالمي إن الهند أنقذت: «البشرية من كارثة كبيرة من خلال احتواء كورونا بشكل فعال»، فيما كانت تواجه دول مثل بريطانيا الموجة المميتة الثانية من الجائحة.
وفي مارس، ذهبت الحكومة إلى أبعد من ذلك وسمحت بالمهرجانات الدينية الهندوسية والتجمعات الانتخابية في الولايات التي حضرها ملايين الأشخاص في مناسبات يحتمل معها أن ينتشر الڤيروس انتشارا فائقا.
وحتى خلال بداية الزيادة الكبيرة في الإصابات في أبريل، قاد مودي نفسه مسيرات انتخابية ضخمة، وخاطب آلاف الأشخاص الذين لا يرتدون أقنعة واقية، حيث تعجب من الحضور، قائلا إنه لم ير قط مثل هذه «الحشود الضخمة».
ولم تلق تحذيرات العلماء الهنود بشأن موجة ثانية مميتة آذانا مصغية، مما أدى إلى أسوأ تفشي للڤيروس في العالم.
وقد تضررت فرص الهند في مكافحة الجائحة من خلال حملة تطعيم جماعية فعالة، لعدم تقديم الحكومة طلبيات شراء كبيرة بما يكفي من اللقاحات لثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان والتي يزيد عدد سكانها على 1.3 مليار نسمة.
وبدلا من ذلك، أهدت 66 مليون جرعة لقاح إلى دول أخرى. ومن المفارقات أن أكبر منتج للقاحات كوڤيد-19 في العالم قد تعرض لعجز، حيث تم تطعيم أقل من 9% فقط من سكان البلاد.
ويقول خبراء طبيون إن مودي أعلن بغطرسة أن الهند هزمت كوڤيد-19 بدلا من استغلال الوقت خلال فترة الهدوء في الحالات التي تلت الموجة الأولى لتعزيز مرافق الرعاية الحرجة. وعلى سبيل المثال، تخلت العديد من الولايات الهندية عن حذرها وبدأت في تفكيك بنيتها التحتية الخاصة بـ «كوڤيد-19»، مما أدى إلى اندلاع الأزمة.
وقال المحلل السياسي أراتي جيراث: «هناك غضب يتصاعد بين الأشخاص في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بسبب إحباطهم من النظام بشدة».
وأضاف: «قيادة مودي؟ إنها غطرسة، مجرد غطرسة، وغطرسة محضة. آمال الأشخاص فيه قد تبددت ومن المؤكد أن رد الفعل هذا سيؤدي إلى انتكاسة لاسم مودي».
وساهم سوء الإدارة في هزيمة حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي في انتخابات ولاية حاسمة في البنغال الغربية.
وقال جيراث: «إن الوضع قد يتحسن خلال أسابيع قليلة ولكنه لن يكون كما كان بالنسبة للعديد من الأسر المتضررة من الجائحة».
وأضاف: «من غير المرجح أن تنسى (الأسر) كيف خذلت في هذه الأزمة. لقد تغير عالمها وحياتها إلى الأبد».