هل هناك مفهوم وماهية متعددة لحياة الإنسان تتعدد وتختلف من إنسان إلى آخر؟ نعم أيها الأحبة، فإن حياة علي بن أبي طالب تختلف عن حياتي وحياتك، ويجب أن نعرف موارد التميز ومواطن التمايز لكي نستطيع فهم حقيقة الحياة ونحدد ماهية وجودنا وحياتنا على هذه الأرض وأحيانا فإننا نعرف ماهية الحياة من خلال خاتمة هذه الحياة، وبالنسبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإن حياته كانت ملحمة عظيمة لا توصف فلقد كانت مسيرة طويلة من مواقف القسط والعدل ضد الباطل ومن تعليم الكتاب والحكمة ومن قيادة الإنسان نحو المعرفة اليقينية التي خلقت نماذج لا تتكرر ويندر وجود مثيل لها.
وقد فارق الحياة الدنيا بعد أن عرف الجميع بحقيقتها وتعامل معها كما ينبغي فهي دار ممر لنا وهي اختبارنا الذي لن نجتازه إلا بورع واجتهاد وعفة وسداد كما قال في إحدى خطبه.
لقد سخر إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام الدنيا لتتمحور حول رضا الله وكان رفيقه في ذلك التقوى التي كانت ومازالت منهجا حقيقيا محددا فلقد انطلق في كل مواقفه من خلال الوضوح واليقين وهو القائل «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا» ولذلك لم تكن سياسته سياسة نفاق ولا مجاملة بل كان مثالا لسمو العدل ومكارم الأخلاق، لقد كان محاربا شرسا لكنه ما ضرب ضربة إلا لله وفي سبيل الله سبحانه، وعندما وقع سيف الغدر والخيانة على رأسه الشريف رفع صوته عاليا قائلا: فزت ورب الكعبة.
نعم قالها وبكل ثقة وإيمان لأن قلبه كان مطمئنا بحب الله ومعرفته وكان صادقا في نهجه في الحياة دون تردد مقبلا على الإنسان ليرفع الظلم والقهر والجهل عن بني الإنسان.
لقد كان في الليل يخرج إلى الخلوة بربه يعانق المناجاة والتهجد ثم يعرج على المعوزين والفقراء ليقدم لهم ما يستعينون به على دنياهم، ثم يكمل مساره نهارا في خدمة الله على كل نحو.
لقد كان وسيظل علي بن أبي طالب نادرة لا تتكرر ونبراسا للمتقين وإماما لكل من لم تغره الدنيا.
لقد ترك عليه السلام تراثا عظيما من الحكمة ومن حكمه الخالدة قوله: «من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن خاف أمن ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم»، وقال أيضا: «ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن». إنها رسالة إلى مجتمع اليوم الذي أنهكه الإعلام السلبي وشائعات الشبكة العنكبوتية.
هناك الكثير لنستلهمه من سيد الحكماء والبلغاء عليه السلام.