نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
أنجز ديوان المحاسبة تكليفه بفحص ومراجعة جميع المصروفات والإجراءات الحكومية الخاصة باستخدام الأموال العامة المخصصة لمواجهة أزمة وباء كورونا، وهذا التقرير في رأيي يمثل وثيقة ذات أهمية استثنائية تتعلق بتقييم أداء الإدارة المالية العامة للدولة أثناء هذه الأزمة.
وبما أن «الديوان» قد أحال هذا التقرير إلى مجلس الأمة وتم إدراجه بجدول أعماله، إذن سيتبين لنا دور مجلس الأمة الرقابي بشأن ما جاء في هذا التقرير من ملاحظات التي شابت مصروفات الجهات الحكومية لمواجهة أزمة كورونا، خاصة في ظل أحكام القانون رقم 1 لسنة 1991 بشأن حماية الأموال العامة المنوط بمجلس الأمة إلى جانب ديوان المحاسبة.
ومن الملاحظ في هذا التقرير أن «الديوان» قد واجه تحديات في سبيل قيامه بتنفيذ مهامه، حيث عانى الديوان من تأخر بعض الجهات الحكومية المعنية بالرد على استفساراته ومتطلباته، ومن عدم تزويده بالبيانات والمستندات المتعلقة بموضوع هذا التكليف من قبل بعض الجهات الحكومية المعنية، علما أن تلك التحديات تصنف كمخالفات مالية والتي تستوجب المساءلة القانونية وفقا لأحكام قانون ديوان المحاسبة.
من جانب آخر، أشار «الديوان» في تقريره إلى حجم المصروفات التي أنفقت في مواجهة أزمة كورونا خلال نطاق زمني حدده الديوان، وهو الأول من شهر مارس 2020 حتى منتصف شهر سبتمبر 2020، أي خلال ستة أشهر ونصف الشهر، والتي قدرت بـ 796.7 مليون دينار منها 69.5% صرفت على حساب العهد (554.5 مليون دينار)، وتتضمن العهد بمبلغ 240.4 مليون دينار صرفت كدعم للعمالة الوطنية من قبل الهيئة العامة للقوى العاملة أي ما يمثل 43.3% من إجمالي المنصرف على حساب العهد، إلا أنه من الغريب أن الديوان لم يشر بشكل أو بآخر إلى أن الإنفاق تم بما لا يتسق مع أحكام المادتين 146 و147 من الدستور، وذلك بالإنفاق خارج نطاق اعتمادات أبواب الميزانية (العهد).
كما أشار «الديوان» إلى عدم وجود قوانين واضحة لتحديد آلية التعاقدات وأشكالها في حالات الطوارئ، إلا أنه في رأيي أن ديوان المحاسبة قد غاب عنه ما جاء في هذا الشأن بالقانون رقم 49 لسنة 2016 بشأن المناقصات العامة وتعديلاته، والذي تناول ضمن أحكامه ما يتعلق بتنظيم التعاقدات في حالات الضرورة القصوى (الأعمال الطارئة والكوارث).
وقد ختم الديوان تقريره بعدد من التوصيات كطلب اتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة بشأن الملاحظات الواردة بتقرير مصروفات أزمة كورونا، وهنا برأيي أن على الديوان أن يتابع تنفيذ تلك التوصية مباشرة طالما له الأسبقية في كشفها، واتخاذ الإجراءات التأديبية تجاه المسؤولين المتسببين في إلحاق الضرر الجسيم بالأموال العامة، سواء كان ذلك ناشئا عن إهمال أو تفريط في أداء وظائفهم، أو كان نتيجة إخلال بواجباتهم وإساءة استعمال السلطة، وذلك بما يتسق مع قانون حماية الأموال العامة.
كما تضمنت التوصيات طلب إعادة النظر في التشريعات السابقة الصادرة لمواجهة الكوارث والأزمات، والاستفادة من الخبرات والمعلومات التي تنتج من خلال إدارة الأزمات، وتجدر الإشارة الى أن وزارة المالية في إطار تبنيها للإصلاحات المالية بالتنسيق مع البنك الدولي قد أصدرت دليلا إرشاديا لمؤشرات تقييم أداء الإنفاق الحكومي والمساءلة المالية (Public Expenditure and Financial Accountability (PEFA في عام 2014، والذي يتضمن مؤشرا يقيس مدى مراعاة الميزانية لنفقات الطوارئ، وفي رأيي كان من الحصافة أن تتم مراعاة هذا المؤشر منذ ذلك الوقت والذي يأتي في سياق الإصلاحات في المالية العامة.
أما التوصية المتعلقة بدراسة إمكانية إنشاء صندوق نقدي لحالات الطوارئ، فيتم تمويله سنويا من إيرادات الدولة لتسهيل إجراءات الصرف وعدم الإخلال بميزانية الدولة وخطتها السنوية، ففي رأيي أن الديوان قد جانبه الصواب، فالنظام المالي للدولة يستوعب مثل تلك الاحتياجات المالية، حيث تمتلك الدولة احتياطي عام، الغرض منه حماية المركز المالي للدولة من أي طارئ ينتج عن ظروف خارجة عن الإرادة ولم تكن الدولة تتوقعها كأزمة كورونا، وقد نظم المرسوم بقانون رقم 31 لسنة 1978 بقواعد اعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي إجراءات ذلك.
ختاما.. في رأيي أن ديوان المحاسبة قد بذل جهدا كبيرا في هذا التقرير في ظل تلك الأزمة، وإن كنت أرى أنه قد أغفل جانبين مهمين في تقريره: الأول يتعلق في دوره بالاستيثاق من كفاية الأنظمة والوسائل المتبعة لصون الأموال العامة ومنع العبث بها خلال هذه الأزمة، سواء كانت الأنظمة داخلية كالتدقيق الداخلي أو أنظمة خارجية كجهاز المناقصات، ووزارة المالية، وجهاز المراقبين الماليين، لبيان دورها في تلك الملاحظات، خاصة أن هناك استياء كبيرا من قبل الرأي العام بشأن دور وفاعلية الأجهزة الرقابية في ظل استمرار الملاحظات والمخالفات المالية كظاهرة عامة.
أما الجانب الآخر فهو يتعلق بنطاق تكليفه الصادر من مجلس الأمة والمتعلق بإعداد تقرير بشأن جميع المصروفات وإجراءات الحكومة الخاصة باستخدام الأموال العامة، حيث إن هذا النطاق مرتبط بانتهاء أزمة كورونا، وبالتالي كان على الديوان أن يستمر في تقديم تقارير دورية بشأن هذا التكليف لحين انتهاء أزمة كورونا، حيث إن تقرير الديوان لم يشمل جميع المصروفات، سواء ما تم صرفه أو ما سيتم صرفه بعد 15 سبتمبر 2020، ومنها مكافآت العاملين خلال أزمة كورونا تحت ما يسمى بـ «الصفوف الأمامية».