من العايدين والفائزين ـ تعني العايدين أي من المستبشرين بفرحة العيد والفائزين تعني الفوز بالجنة والعتق من النار بإذن الله، وهي جملة تتكرر بين الأهل والأصحاب في العيد، ولا يستشعر معناها تماما إلا الصائمون المصلون القائمون على العبادة الحقة دون رفث ولا لغو طوال شهر رمضان مخلصين لله غير غافلين ولا فاسقين ولا منافقين.
وتبعا لمقال سابق (كيف يرى أولو الألباب رمضان؟)، معلومة جميلة في تدبر القرآن الكريم قد يعرفها القليل من الناس، حيث نوهت سلفا أن الناس تتدرج في عبادتها في شهر رمضان، ففي القرآن الكريم نجد هناك آيات تخاطب «أولي الألباب» وآيات أخرى تذكر «أولو الألباب»، والفرق بينهما جليل في المعنى، حيث إن «أولي الألباب» هم من عامة المؤمنين الذين تفلت منهم الحكمة، وقلوبهم متقلبة في اليوم والليلة، فأغلب الرسائل القرآنية تدعوهم للتقوى والبصيرة، ومن يفقد التقوى يفقد الحكمة، في قوله تعالى (وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ـ البقرة: 197)، وفي قوله تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون ـ المائدة: 100).
أما «أولو الألباب» فهم أعلى درجة من «أولي الألباب» فقد أتاهم الله الحكمة والتقوى مخلصين في عبادتهم لله عز وجل، فيفقهون كثيرا من الأمور التي تمس حقيقة خلق الإنسان المخلوق لهدف العبادة، فلا توجد رسالة لهم تدعوهم للتقوى بل العكس، تأكيدا على تقواهم في قوله تعالى: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب ـ البقرة: 269)، وقوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب ـ آل عمران: 7).
وهكذا الناس في رمضان، من أخلص العبادة لله لا لغو ولا رفث، هادئا عابدا يمضي أوقاته في القرآن والذكر والصلاة وعمل الخير من صدقات وزكاة فأولئك الذين وصفهم الله عز وجل بالسابقين في قوله تعالى (والسابقون السابقون أولئك المقربون) في سورة الواقعة، أما الأقل منهم درجة فمن يؤدي الواجب الديني ويلهو بغفله وهم أيضا من أصحاب اليمين «فسلام عليك من أصحاب اليمين»، أما أصحاب الظواهر المنحرفة، من لهى ولغى وفجر وجاهر بالمعصية لا صلاة ولا صيام، فأسأل الله لهم الهداية والغفران.
العيد الحقيقي لمن أدى العبادة بإخلاص تام وتم عتق رقبته من النار بإذن الله الواحد القهار، فبشرى سارة للمؤمن الذي جاهد في سبيل الله بعبادته في شهر الصيام، فهنيئا لهم بالعيد وعساكم من العايدين والفائزين.
family_sciences@