بينما تستعد قطاعات الاقتصاد العالمي لانطلاقة قوية من أجل انتعاش ما بعد الجائحة، حيث يتزايد الطلب والاستهلاك عموما بفضل حزم الإنفاق الحكومي ودعم المواطنين، ألقت مشكلة نقص الرقائق الإلكترونية بظلال من الشك على آفاق هذه القطاعات.
الأزمة المستمرة منذ شهور تهدد قطاعات صناعية واستهلاكية عديدة، والأسوأ أنها كثيفة المبيعات، مثل الجوالات والسيارات ومنصات الألعاب الترفيهية، وقد اجتذبت اهتمام السياسيين من كل مكان حول العالم، بسبب أثرها الزلزالي على الاقتصاد.
وتأتي هذه الأزمة في ظل الطلب الكبير لشركات التكنولوجيا والسيارات وليس لخلل في خطوط إنتاج مصنعي أشباه الموصلات.
في الحقيقة، نمت مبيعات هؤلاء المنتجين بنسبة 11% إلى 464 مليار دولار في عام 2020، وتوقعت «IDC» لتحليلات التكنولوجيا نموا بنسبة 12.5% في العام الحالي.
لكن، إن كان الأمر هكذا، فكيف نتجت الأزمة ومتى تنتهي؟ الإجابة المختصرة هي بسبب الطلب والأمر سيستغرق وقتا حتى يتمكن المصنعون من تلبية حاجة شركات التكنولوجيا والسيارات (هناك من يقول إنها قد تستمر عامين أو أكثر)، وتظل الإجابة الحقيقية ليست بهذه السهولة لتقال، لكن هناك مؤشرات إيجابية.
الجميع في أزمة
زادت حدة النقص العالمي في الرقائق بدرجة كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية ويبدو الآن أن ملايين الأشخاص سيتأثرون، فمع تقدم التكنولوجيا، انتشرت رقائق أشباه الموصلات من أجهزة الكمبيوتر والسيارات إلى فرش الأسنان والمجففات، وهي الآن كامنة تحت غطاء عدد مذهل من المنتجات.
على سبيل المثال توقعت صانعة منصات الألعاب اليابانية «نينتندو» تراجع مبيعاتها من أجهزة «كونسول» بأكثر من 3 ملايين وحدة إلى 25.5 مليون وحدة خلال العام المالي الجاري، فيما قالت شركة «آبل» إنها ستخفض إنتاج بعض أجهزتها جراء أزمة الرقائق.
في ذات السياق، توقعت شركة أشباه الموصلات الألمانية «Infineon»، تسبب الأزمة العالمية في تراجع إنتاج السيارات بمقدار 2.5 مليون سيارة في النصف الأول من العام الحالي، محذرة من استمرار الاختناقات في سلسلة التوريد.
وقال «آلان بريستلي» المحلل في «جارتنر» إن الشخص العادي في الشارع لابد أن يتأثر بنقص الرقائق بشكل أو بآخر، مضيفا: ما سيعنيه ذلك، هو أنهم (المستهلكون) لا يستطيعون الحصول على شيء أو أن الأسعار ستكون أعلى قليلا.
وقالت شركة «سامسونغ»، الأسبوع الماضي، إن نقص الرقائق يؤثر على إنتاج التلفزيونات والأجهزة، مشيرة إلى أنها قد تضطر إلى التخلي عن طرح النسخة التالية من جوال «جالاكسي نوت» الذكي، فيما اعترفت «إل جي» بأن النقص يمثل مخاطرة، وقالت إنه لن يكون هناك مصنع بمنأى عن المشاكل إذا طال أمد الأزمة أكثر.
وتناقش «سامسونغ» مع تجار التجزئة والموردين الرئيسيين خطط التوريد حتى تتمكن من تخصيص المكونات للمنتجات ذات الأولوية الأعلى، وقال الرئيس التنفيذي المشارك «كوه دونج جين» إن هناك خللا خطيرا في العرض والطلب على الرقائق في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
كما تضرر إنتاج المعالجات ذات الهامش المنخفض، مثل تلك المستخدمة لوزن الملابس في الغسالات أو تحميص الخبز في محمصة ذكية، واشتكت «CCSI»، التي تصنع أكشاك تنظيف الكلاب الإلكترونية من عدم توافر الرقائق المعتادة.
ما أسباب الأزمة؟
يبقى الخبر السار أن ضعف الإمدادات ليس نتيجة نقص حقيقي في الموارد، مثل السيليكون الخام الذي يشكل قاعدة رقاقة أشباه الموصلات، إنه مجرد عدم توازن بين العرض والطلب، وسوف يتطلب إعادة التوازن توسيع القدرات الإنتاجية ومزيدا من الوقت.
يشهد الطلب على أشباه الموصلات ارتفاعات وانخفاضات طبيعية، لأن الشركات المصنعة تميل إلى إطلاق منتجات جديدة، مثل أحدث طراز للهواتف الذكية أو أحدث علامة تجارية للسيارات، بشكل موسمي، ولكن في عام 2020، تضافرت عدة عوامل لخلق ذروة غير متوقعة.
ماذا عن جانب العرض؟
هناك إجماع على أن العرض سيظل ناقصا طوال عام 2021، ويتوقع «بات غيلسنجر»، الرئيس التنفيذي لشركة «إنتل»، أن النقص سيستمر «بضع سنوات»، وبالمثل، ترى شركة «إنفينون» الألمانية لصناعة الرقائق في أن العرض سيفي أخيرا بالطلب في 2023.
وفي مؤتمر مع الصحافيين الأسبوع الماضي، قالت شركة «إنفينون» الألمانية لصناعة الرقائق والمتخصصة في شرائح السيارات، إن مصنعي السيارات قد تعلموا الدرس من نقص الرقائق وإن «فكرة طلب قطع الغيار عند الحاجة إليها وإلغائها حينها عندما لا تحتاج إليها لا تجدي».
لكن صناعة أشباه الموصلات تعاني من اختناقات أخرى يصعب حلها، حيث يأتي 80% من المعروض العالمي من الرقائق من آسيا، حيث تهيمن «TSMC» التايوانية على تعاقدات تصنيع الرقائق.
واستثمرت الشركة التايوانية 2.88 مليار دولار لتوسيع الطاقة الإنتاجية في مصنع في الصين ينتج رقائق السيارات، من أجل «تخفيف الأزمة العالمية للإمدادات»، كما التزمت بإنفاق 100 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة «لمعالجة الزيادة الهيكلية في الطلب طويل الأجل»، حسب تقرير نقله موقع «أرقام».
ويريد الاتحاد الأوروبي مضاعفة قدرته على تصنيع الرقائق بحلول عام 2030، ليهيمن على 20% من السوق العالمي، فيما يضغط الرئيس الأميركي «جو بايدن» لتأمين تمويل حكومي بقيمة 50 مليار دولار لتنشيط الصناعة المحلية في الولايات المتحدة.
ويقول «سانيام تشوراسيا»، المحلل في شركة «كاناليس»: في كل قطاعات الصناعة، سيكون هناك زيادة هائلة في الإنتاج بحلول نهاية عام 2021، وبعض الصناع بدأوا زيادة قدراتهم الإنتاجية حتى العام الماضي، لكن الأمر يستغرق ما يقرب من عام لبدء تشغيل المصانع الجديدة، وفي النهاية سيلبي العرض الطلب وسيكون هناك توازن. هذه هي الطريقة التي تدار بها الأعمال.