- الكويت تمتلك قطاعاً مصرفياً قوياً خليجياً.. والقدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية
- الاقتصاد الوطني يعاني الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية بـ90% من الإجمالي
- الكويت تتبنى مبادرات لتنويع دخلها منذ سبعينيات القرن الماضي.. لكنها باءت بالفشل
- استمرار التأخير بإصلاح الموازنة قد يؤدي لتوسيع اختلالات المالية وتآكل الاحتياطيات
أعدها للنشر: مصطفى صالح
يعد الاقتصاد الكويتي أحد أهم الاقتصادات بالمنطقة، وذلك باعتبار الكويت إحدى أكبر الدول المصدرة للنفط بالعالم، حيث تتمتع البلاد بالعديد من المقومات والعوامل البارزة التي أسهمت في تشكيل وصناعة اقتصاد مهم ومؤثر وجاذب إقليميا، ومن بين هذه المقومات امتلاك قطاع مصرفي قوي يعد بين الأهم والأقوى بالخليج والمنطقة العربية، علاوة على جاذبية الاقتصاد الكويتي للاستثمارات الأجنبية، بفضل البنية التحتة القادرة على احتواء أي استثمارات وافدة، سواء كانت بالقطاع المالي أو الاقتصادي. وفي هذا السياق، تنشر «الأنباء» دراسة أعدها د.منصور صباح الفضلي رئيس مجلس ادارة اكسفورد للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، بعنوان: «الاقتصاد الكويتي.. الواقع والحلول»، والتي تتناول أهم مقومات ومواطن الخلل بالاقتصاد الكويتي، ومناقشة المخاطر والتحديات والحلول المقترحة للخروج من الأزمات المزمنة التي يواجهها الاقتصاد، وإمكانية تنفيذ تلك الحلول..
وفيما يلي التفاصيل:
يعاني الاقتصاد الكويتي من الاعتماد المفرط في إيراداته على النفط الذي يشكل 90% من إجمالي الإيرادات بالميزانية، وذلك على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة لسنوات طويلة من أجل تنويع مصادر الدخل، فمنذ سبعينيات القرن الماضي تبنت الكويت العديد من البرامج التنموية الاقتصادية والاجتماعية الطموحة للخروج من دائرة الاعتماد على النفط، إلا أن معظم تلك الجهود باءت بالفشل.
وعلى الرغم من إنفاق نحو 30 مليار دينار على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال 11 عاما (الممتدة بين 2010/2011 و2020/2021)، لاتزال الكويت تعتمد في إيراداتها على النفط بنسبة تتجاوز أكثر من 90%، وذلك وفق ما أشارت إليه ميزانية العالم المالي الماضي2020/2021.
ويعد الاعتماد على النفط بشكل رئيسي أحد مكامن الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد الكويتي منذ فترة طويلة، حيث يجعل الكويت تحت رحمة تقلبات أسواق النفط، فتحقق الفوائض وقت ارتفاع الأسعار، فيما تتكبد عجزا ماليا وقت انخفاض الأسعار.
وفي ظل أجواء اقتصادية عالمية وإقليمية ممتلئه بالتحديات الصعبة، لايزال الأداء الاقتصادي بمعظم مناطق العالم عند مستويات متواضعة نسبيا، وتنطوي الآفاق المستقبلة لذلك الأداء على احتمالات سلبية عديدة طالت الكثير من الدول، وعلى رأسها الدول النفطية ومنها الكويت.
وقد انعكست تحديات الأداء الاقتصادي العالمي التي يعيشها الاقتصاد الكويتي، من خلال التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط منذ يويلو 2014 وحتى اليوم، ووفق أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي للإنشاء والتعمير، فإن الاقتصاد الكويتي يعاني اختلالات مزمنة، علاوة على تداعيات جائحة كورونا التي أدت لتراجع الناتج المحلي الحقيقي بواقع 1.1%.
المخاطر المحتملة
يواجه الاقتصاد عددا من المخاطر المحتملة التي تؤثر على مساره، وتعرقل جميع الجهود الرامية لتعزيز وتطوير الوضع الاقتصادي، وفيما يلي رصد بأهم تلك المخاطر:
٭ تعثر إقرار قانون الدين العام: على الرغم من الاقتناع الحكومي بضرورة إقرار قانون الدين العام والذي سيوفر سيولة قدرها 20 مليار دينار تمكن الحكومة من مواجهة العجز الحاد في الميزانية والمقدر بحدود 14 مليار دينار، فإن الاعتراض النيابي لإقرار القانون تخوفا من رهن المستقبل لمصلحة الجيل الحالي وعدم قدرة الحكومة على السداد في ظل استمرار سيناريو تراجع أسعار النفط وتقدم عدد من النواب في دور الانعقاد المنتهي لمجلس الأمة بمقترحات من شأنها الإضرار بالمال العام مثل الاقتراض من صندوق الاجيال القادمة أو بيع بعض أصول صندوق الاحتياطي العام لصندوق الاجيال القادمة أو سرعة استرداد الارباح المحتجزة والمقدرة بحدود 7 مليارات دينار.
٭ خفض التصنيف الائتماني للدولة: لا شك أن خفض التصنيف الائتماني للدولة سيؤثر على قدرة الكويت على الاقتراض بمبالغ كبرى، حال إقرار قانون الدين العام بمرسوم ضرورة إذا تم حل المجلس، حيث ستتحفظ بنوك عالمية على الإقراض، بسبب ضعف التصنيف نسبيا أو قد تقوم برفع الفائدة، وبالطبع سيؤثر خفض التصنيف على ثقة المستثمر الاجنبي بالبلاد، كما يؤثر على جاذبية اقتصادها، لكنه لن يؤثر على عملتها على المديين القريب والمتوسط.
٭ جفاف سيولة الاحتياطي العام: وفقا للأرقام الصادرة عن الحكومة، فقدت الكويت قرابة 63 مليار دينار في 6 سنوات، من 2015/2014 وحتى 2020/2019 وكلها تصريحات متضاربة حول الوضع المالي للكويت، بالإضافة الى ظهور تصريحات سلبية حول عدم قدرة الكويت على دفع رواتب موظفيها، ما أوجد حالة من الاجواء السلبية على التقارير الصادر من وكالات التصنيف العالمية، وتبلور ذلك في خفض وكالة موديل تصنيف الكويت من Aa2 الى A1، على خلفية انخفاض معدلات السيولة.
٭ طول فترة جائحة «كورونا» وتأثيرها على أسعار النفط: وهو ما يعني أن الوضع الاقتصادي الراهن سيصاب بانتكاسة كبيرة بسبب غياب الايرادات النفطية القادرة على تنفيذ المشاريع التنموية القادرة على امتصاص البطالة وخلق المزيد من الفرص أمام خريجي الجامعات القادمين الى سوق العمل.
٭ استمرار التباطؤ في تنويع مصادر الدخل: على الرغم من الاهمية الكبرى التي توليها الحكومة في تنويع مصادر الدخل والابتعاد عن الايرادات النفطية في تكوين الدخل، إلا أن معظم المحاولات تشير الى ازدياد حصة النفط في الناتج المحلي بشكل متزايد في الآونة الاخيرة.
٭ التضييق المالي: يعني تراجعا كبيرا في الانفاق بسبب تراجعات أسعار النفط وغياب الايرادات من ناحية والتخوفات من انتشار موجة ثانية من وباء «كورونا»، وهو ما يعني أن يكون العام المالي 2021/2020 هو الأسوأ في الـ 11 عاما الأخيرة، واستمرار التراخي والتأخير في إصلاح الموازنة العامة للدولة من شأنه أن يؤدي الى نتائج مالية غير مواتية، إضافة الى توسيع اختلالات المالية العامة والمراكز الخارجية وتآكل احتياطيات المالية العامة.
٭ سوء إدارة الأموال العامة: يعد سوء إدارة أموال الدولة من أهم المشكلات الرئيسة التي واجهها الاقتصاد الوطني، فقد ظلت الكويت تحقق فوائض مالية في موازناتها طوال 15 عاما قدرت بحدود 146 مليار دينار نتجت عن ارتفاع سعر النفط، عن سعر التعادل المطلوب بالموازنة، يعني سعر التعادل السعر المطلوب لتصبح الايرادات متكافئة مع المصروفات، لكن لم تستغل الحكومات المختلفة تلك الاموال لتنمية الداخل، بل وجهتها لاستثمارات خارجية أو ذهبت كمصروفات جارية في الرواتب والدعوم وتم هدر بعضها على مدى سنوات بشكل ممنهج على هيئة مناقصات.
٭ الفساد المالي: من بين القضايا التي شغلت الرأي العام طوال الفترة الماضية، قضايا صندوق الجيش والصندوق الماليزي وفضائح الرشاوى للمشاريع التنموية التي تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي وهو الأمر الناتج عن سياسات حكومية مهترئة فيما يتعلق بطريقة إدارة المال العام، حيث توسع الحكومات في الإنفاق دون رقابة حقيقية، وتمكن مسؤولون عدة من استباحة المال العام من دون حسيب، ما تسبب في هدر مالي بالمليارات.
مخاطر «كورونا» الخارجية والداخلية
هناك مخاطر رئيسة خارجية وأخرى داخلية تواجه الاقتصاد الكويتي نتيجة التداعيات السلبية لجائحة فيروس كورونا، والتي يمكن استعراضها فيما يلي:
٭ أولا - المخاطر الخارجية:
- الاضطرابات الاقتصادية العالمية، والتقلب المستمر بأسعار النفط والتراجع الحاد بها.
- دفع الحظر الكلي والإغلاق الشامل للعديد من الاقتصادات بالعالم لتكبد قطاعات الشحن البحري والبري خسائر كبيرة.
- تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والذي سيؤثر بشكل كبير على مبيعات النفط الخام ومن ثم الايرادات النفطية.
- الابتعاد عن الاقتصاد التقليدي والتوجه نحو الاقتصاد الرقمي، ما كبد الشركات خسائر فادحة بسبب تكلفته الباهظة.
٭ ثانيا - مخاطر داخلية:
- استمرار التأخير بإصلاح الموازنة والذي يمكن أن يؤدي الى توسيع اختلالات المالية العامة وتآكل الاحتياطيات المالية.
- انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي نتيجة لإجراءات الاغلاق الاقتصادي وتعطل التجارة بسبب «كورونا».
- ترحيل الوافدين سينعكس مباشرة على أسعار العقار الكويتي بحيث سيشهد انخفاضا بنسب تتراوح ما بين 30 و40%.
- تأثر القطاعات الاقتصادية بالجائحة حيث تقدر خسائر قطاعات السفر والمطاعم والفندقة و«الخاص» والمبادرين بمليارات الدنانير.
10 اختلالات هيكلية بالاقتصاد الكويتي
يواجه الاقتصاد الكويتي العديد من الاختلالات الهيكلية التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التطور والتنوع الاقتصادي المنشود خلال الـ 25 عاما الماضية، ولا تزال تلك الاختلالات أحد أهم المعوقات الرئيسة التي تقف أمام تحقيق استراتيجية الحكومات المتعاقبة الرامية الى تنويع مصادر الدخل ورقع القيمة المضافة للاقتصاد، ومن بين تلك الاختلالات التي تم رصدها ما يلي:
1 - الاعتماد المفرط والمتزايد على النفط كمصدر أساسي للدخل، وما استتبعه من تكبيل الميزانية برواتب ودعومات تتجاوز نسبتها 70% من اجمالي الإنفاق.
2 - تزايد وتيرة العجز المزمن بالميزانية والتي استنفدت كامل سيولة الاحتياطي العام البالغة نحو 18 مليار دينار خلال 6 سنوات.
3 - ميزانية العام المالي 2021/2020 من المتوقع أن تواجه عجزا يبلغ 19.3 مليار دينار في ضوء انخفاض أسعار النفط العالمية.
4 - هناك خلل واضح يعانيه سوق العمل الكويتي بتركز القوى العاملة الوطنية في القطاع الحكومي بعدد 340 ألف موظف، فيما لا يتعدى عددها 72 ألف موظف بالقطاع الخاص.
5 - يعاني الاقتصاد الكويتي بيروقراطية متضخمة وإجراءات معقدة تضعف العملية الانتاجية برمتها، وتؤدي الى وقف انجاز المعاملات.
6 - من بين الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد محدودية الدور الذي يؤديه القطاع الخاص في دفع عجلة النمو الاقتصادي.
7 - اعتماد الموازنة العامة بشكل أساسي على الايرادات النفطية واحتلال بند المصروفات الجارية التي تشمل الاجور والمرتبات الجزء الأكبر من الانفاق.
8 - التأخر بتعزيز الاستثمار في الفرص البديلة يؤخر تحقيق الهدف الرئيسي للاقتصاد من حيث تنويع مصادر الدخل لضمان اقتصاد مستدام مستقبلا.
9- الافراط بدعم الطاقة وبدون توجهه الى مستحقيه فقط يكبح من دور الآليات السعرية المبررة اقتصاديا واجتماعيا لتوجيه الموارد نحو استخدام أفضل يضمن كفاءة وعدالة التوزيع.
10- رغــــم امتلاك الكويت لاحتياطيات نفطية كبيرة فإن التحـــول نحو استخدام الطاقة النظيفة يشكل خطرا على استدامة الاقتصاد والمالية العامة للدولة على المدى الطويل.