قرأت مقالة ماتعة لصديقي العالم المثقف العماني الشيخ بدر العبري بعنوان «القضية الفلسطينية: قراءة في البعدين الإنساني والمصطلحي»، ولأهمية ما يحدث اليوم في القدس المغتصب فقد أحببت أن أقتبس منها بضع أفكار تساعد على إعادة الهمة للأمة لرفع الظلم العالمي عن أهلنا في فلسطين الحبيبة.
يقول العبري: لابد من استقلال الرأي العام، بحيث يكون بعيدا عن النزعات السياسية التي لها مآرب ضيقة، وأن نخاطب العالم بذكاء بدل العاطفة، لأن العاطفة اليوم لا تجدي، فعشرات العواطف مررنا بها، والقضية تتراجع من ضعف إلى ما هو أضعف، فأنسنة القضية لا يعني إلغاء الهويات، لكن لا يمكن أن تخاطب العالم الواسع والمتعدد بأديانه وهوياته من خلال هويتك، بل من خلال السلاح الذي اجتمعت عليه دول العالم وهو حقوق الإنسان.
لقد نجح الكيان الصهيوني في استثمار النزعة الإنسانية لصالحه، واستثمر الأدبيات الدينية في كون هذه الأرض حقا لليهود منذ القدم لبلورة النزعة الإنسانية لنصرة الباطل الصهيوني، كما استطاعوا خلق جماعات مسيحية متعصبة كالسبتيين (الأدفنتست) ومنها انبثق شهود يهوه، وهؤلاء كغيرهم من متعصبي البروتستانت يؤيدون قيام دولة لليهود لتعجيل عصر الملكوت ومجيء المسيح وأحسنوا توظيف الدين والتأريخ تحت الغطاء الإنساني.
لهذا من الذكاء مواجهة هذا الغطاء بذات الغطاء، خصوصا أن الهوية الإسلامية لا تتعارض مع حق اليهود في ممارسة طقوسهم كما يقول المؤرخ اليهودي أوري أفنيري: «كل يهودي مستقيم، يعرف تاريخ شعبه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام، الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم «بالسيف».
لهذا يجب أنسنة القضية، ولا يكون ذلك إلا لأصحاب الحق وإبراز القضية الفلسطينية إنسانيا، وإذا كان العالم يعاني من اجترار التأريخ ضمن جماعات لاهوتية متعصبة، تخرج من حيزها التعبدي الضيق إلى التأثير السلبي في العالم، فلماذا تبرأ فئة من الصهاينة استخدموا الدين والتأريخ في اغتصاب أرض وتشريد أهلها وقمعهم ومنعهم عن ممارسة طقوسهم.
إن رفع الظلم وإحقاق العدل، وهذا ما ترمي إليه النزعة الإنسانية يجب أن ينطلق من الماهية قبل الهوية ومن الخطاب الأوسع قبل الخطاب الضيق، وليس من الذكاء محاربة أي وسيلة تدعو إلى ذلك حتى يحق الحق ويرجع إلى أهله، وما ذلك ببعيد، وما ذلك على الله بعزيز، ويجب على أمة الإسلام ان تنطلق نحو بناء صرح الحق والعدل لأنه تحد عالمي حتمي وأثبتت الأحداث الأخيرة في القدس أن ابتسامة المضطهد سلاح فتاك في وجه الغاصبين.