لاحظت في الآونة الأخيرة ـ أن من الثقافة التربوية أو الفكر التربوي السائد عند بعض الأسر الكويتية ـ ألا يجوز قول كلمة «عيب» للطفل الصغير الذي يبلغ من العمر أقل من سبع سنوات، وذلك خشية من أن يفتح له أبواب فهم أمور سابقة لأوانها، وطبعا هذا الفكر خاطئ وليس له من الصحة دليل، وإنما الدليل يكون في تربية الطفل الصغير على كلمة عيب جائزة ويجب أن تغرس في نفسه لأنها جزء من بناء قوام شخصه في حيائه وخلقه، وقد شرحت قيمة الحياء في مقال سابق من حيث مفهومه وأهميته.
يقول الله عز وجل في محكم كتابة الكريم: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم) «سورة النور: 58»، ففي الآية الكريمة السابقة مفهوم تربوي وسلوكي جليل، حيث تدعو الآية إلى تعليم الصغار قيمة الاستئذان التي هي من أرقى القيم التربوية التي تعزز الإنسانية ـ أي بناء قوام نفسي وسلوكي أخلاقي، من خلال اكتساب قيم راقية لم تعرف من بشر، وإنما رسالة سماوية من لدن عزيز عليم، ومما لا شك فيه أن كلمة «عيب» تكون خلف كواليس بناء تلك القيمة.
وقفة تدبر للآية الكريمة السابقة فقد بدأت بدعوة للمؤمنين خاصة، لأن المؤمن أعلى الناس خلقا، والقيمة الأخلاقية التي تدعو لها الآية الكريمة هي قيمة الاستئذان، وهي من أعلى المراتب الأخلاقية السلوكية، وقوله «والذين لم يبلغوا الحلم» تعني الصغار ما دون سن التسع سنوات، وقد بينت الآية الكريمة آداب الاستئذان وهي:
ـ الاستئذان ثلاث مرات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل وإلا فارجع ».
ـ أوقات الاستئذان ثلاثة تكون في: فبل الفجر ـ وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ـ ومن بعد صلاة العشاء، فبها تكون خصوصية الفرد.
ـ وعن عبد الله بن بسر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول «السلام عليكم السلام عليكم». وذلك أن الدور لم تكن عليها يومئذ ستور.
والاستئذان كقيمة أخلاقية تنمي مشاعر الأنس بين الأفراد، وذلك أن الاستئذان دليل على خلق الحياء، فعن العلامة السعدي رحمه الله يقول: «سمي الاستئذان استئذانا لأن به يحصل الاستئناس وبعدمه تحصل الوحشة»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» (متفق عليه)، فبعد ما سبق كيف يعلم الأطفال القيم السالفة إن لم يقل له «عيب» كسلوك يدعو إلى غض البصر والاحترام والأدب في التعامل وعدم التعدي على حقوق الغير؟
family_sciences@