فرحت كما فرح جميع أفراد الشعب الكويتي بانعقاد جلسة لمجلس الأمة، لأن هذا المجلس تتعلق فيه الكثير من آمال الأمة ومتطلباتها، والذي يضم عددا كبيرا من «المخلصين» من أبناء الكويت. وأنا أؤكد على مفهوم الإخلاص، فكل فرد يتصرف من منطلق معتقداته وأفكاره وتصرفاته، ومن أكبر الخطر أن نتسرع في اتهام الناس بالخيانة وعدم الإخلاص، لأن هذا يهدم الأوطان ولا يبنيها، وأود أن أطرح العديد من النقاط المهمة في شأن الوضع الحالي للسلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي ربما أنارت الطريق لكل من يريد التبصر، والفهم الأعمق لواقع الحال.
النقطة الأولى: الانغماس في الداخل، ما يحدث من عدم تعاون بين السلطتين، ومن تأزم، يؤدي بشكل كبير إلى انغماس كبير من جميع التيارات والاتجاهات في الكويت، وحتى الدوائر الشعبية في الداخل، والانشغال عن الكثير من المتغيرات والتحولات والأخطار الخارجية، وأقول الأخطار وأنا أعنيها، فالكويت دولة تتسم بسياسة الحياد الإيجابي، كما أن لها موقفها العادل في العديد من القضايا الإنسانية والعربية، والذي يجعلها بشكل دائم، محط تخطيط الأعداء، وناصبي الكمائن والمصائد، بل والمصائب.
والذي يريد أن يفهم ما أقول فليراجع بدقة أحداث ما قبل الغزو والتأزم الذي أدى إلى الانغماس الداخلي، بينما كانت الأطماع والمكائد تحاك للكويت، ومن ثم فقد كانت الكارثة، فانتبهوا واعتبروا يا أولي الأبصار.
النقطة الثانية: أن التأزيم لا يفيد أي طرف من الأطراف، لا يفيد الحكومة، ولا يفيد المعارضة، ولا يفيد بطبيعة الحال المواطن الكويتي، الذي مل من الصراعات، ويريد أن يرى وطنه في صورة أفضل، وأن يكون في ركاب الأمم المتقدمة والمتطورة، نظرا لما فيه من خيرات وثروات وإمكانات بشرية مهولة، لا تقل خبرة أو مكانة عن نظيراتها في الدول المتقدمة أو دول الجوار التي لحقت بركب التقدم، ومن ثم فمن حق المواطن أن يرى طحينا لأنه قد اكتفى من الضجيج والجعجعة التي لا تثمر ولا تغني من جوع.
النقطة الثالثة: الأحوال تتبدل وتتغير وقد يرى البعض ضرورة تكرار أحداث بداية العقد الماضي، وهم بذلك يحاولون تكرار أحداث التاريخ، دون دراية ودون وعي، فأحداث التاريخ لا تتغير، وإنما دروس وأحكام التاريخ هي التي تتكرر، ومن ثم فليس عليهم تحمل عناء تكرار نفس السيناريو، وإنما التفكير في النتائج، ولذلك أقول لكل المتعلقين بأحبال النوستالجيا، أفيقوا يرحمكم الله، فليس كل ما عبر عن الغضب أو عن مطالب الناس حقا، فقد يكون الطريق إلى جهنم مليء بالنوايا الحسنة.
النقطة الرابعة: هذه المرحلة هيكلية ومفصلية في تاريخ الأمة الكويتية، لأن الفساد استشرى وتوغل في أوصال الهيكل الإداري للدولة، ومن ثم فلابد من عدة أمور مهمة وعاجلة، يتمثل أولها في الاعتراف بهذا الوضع الحرج لانتشار الفساد، وهو ما قاله صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله، في كلمته للشعب الكويتي، حيث أوضح سموه عدة أمور أهمها بيان الوضع الحالي لأزمة استشراء الفساد، وثانيهما تصدي الدولة بكل قوتها لجذور الفساد في الدولة الكويتية، وثالثها أنه لا أحد فوق القانون، وأن أفراد الأسرة الحاكمة ليسوا فوق القانون.
وهذه الرسائل حملت الكثير من المعاني القوية، والتطمينات للشعب الكويتي، وهذه الرسائل القوية من صاحب السمو تفرض التعاون الجاد والحقيقي بين كل الأطراف والجهات، وبين المجلس والحكومة، حتى يتم القضاء على أذناب الفساد والفاسدين الذين يعيثون في الأرض فسادا وتخريبا، لأنه بدون هذا التنوع الجاد والحقيقي، فلا مهرب وملا مخرج، ولا سبيل إلى مواجهة منظومة الفساد التي تنخر في جسد الكويت.