إن بلوغ سن الأربعين له اعتبارات كثيرة وجمة لا يدركها إلا القليل من الناس، إن سن الأربعين سن النضج والحكمة وحسن التصرف وحسن التدبير وصواب الأمور.. كما أنه الشباب الحقيقي للفرد من حيث عطائه وإنتاجه، والسؤال: هل جميع من بلغ الأربعين قد تغير للأفضل في حياته؟
عندما كنا ندرس في الجامعة عن المراحل العمرية للإنسان، كانوا يعلموننا أن الإنسان يتوقف نمو عقله عند سن الواحد والعشرين تقريبا! إلا أن هذه المعلومة باتت خاطئة، وذلك يرجع إلى ما توصلت إليه دراسة حديثة في المملكة المتحدة من عقد تقريبا أن خلايا مخ الإنسان تستمر في النمو إلى سن الأربعين، حيث تقول البروفيسورة سارة بلاكمور عالمة الأعصاب في معهد علم الأعصاب الإدراكي في جامعة كوليدج لندن «إنه حتى ما يقرب من عقد من الزمان كان العديد من العلماء يفترضون إلى حد كبير أن الدماغ البشري توقف عن التطور في مرحلة الطفولة المبكرة، ولكن الأبحاث الحديثة وجدت أن العديد من مناطق الدماغ تستمر في التطور لفترة طويلة بعد ذلك».
حيث من المناطق التي تستمر في النمو هي قشرة الفص الجبهي أي الناصية والتي تكن موجودة خلف الجبهة مباشرة، وهي المنطقة المتخصصة في الوظائف المعرفية منها التخطيط واتخاذ القرارات والتفاعل الاجتماعي والوعي..
وقالت البروفيسورة بلاكمور «إن قشرة الفص الجبهي هي جزء من الدماغ يجعلنا بشرا نظرا لوجود ارتباط قوي بين هذه المنطقة من الدماغ وشخصية الفرد».
وذكرت منطقة الناصية في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ناصية كاذبة خاطئة ـ العلق: 16)، لما لها من اعتبارات خطيرة تنعكس على حياة الفرد الاجتماعية والإصلاحية والنفسية.
ويقول المثل غلطة الكبير بعشرة، فما سبق من طيش في العشرينيات والثلاثينيات من العمر لا يعادل خطأ ما بعد الأربعين.
كذلك القرآن الكريم قد ذكر أهمية سن الأربعين، لقوله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ـ الأحقاف: 15)، ففي الآية الكريمة السابقة بيان لأهمية سن الأربعين في التوبة والرجوع إلى الله والإصلاح والعمل الصالح نظرا لاكتمال الفهم واكتساب الخبرات الحياتية جراء التجارب المختلفة.
فسن الأربعين تسمى المرحلة الأشد، لقوله: (إذا بلغ أشده) أي اكتمل العقل والفهم للفرد، وهذا ما يمكنه من تحمل مسؤوليات أكبر بحكمة وحلم، حيث يقول العلماء إن خطأ الفرد في الأربعين عقوبته أكبر مما قد سلف، وان من أعظم الأمور التي تجعل للفرد بصيرة في سن الأربعين هو الرجوع للقرآن تدبرا ودراسة لا شيء غير ذلك، ولهذا السبب يبعث الأنبياء إلى أقوامهم بالرسالة عند بلوغهم سن الأربعين، وذلك لاكتمال البنية العقلية، وبالتالي تقوى الحجة ويقوى الصبر.
family_sciences@