المؤامرة ضد النقاء الروحي للإنسان متعددة اليوم، ورغم ذلك فإن هناك طرقا بسيطة لكي نتخلص من سجن الوهم الذي نصنعه لأنفسنا، فالمتاهة سهلة الانكشاف، لكن الكثير منا يخذل روحه وإرادته، لاسيما حينما نفقد الثقة بروعة ما حبانا الله به من ثروات روحية متجذرة في أعماقنا وأرواحنا التي هي في الواقع أثمن ما لدينا، وهذه هي الحقيقة التي تجلت بعد وقوع الجائحة العالمية والوباء الذي مازال يفتك بالإنسان ماديا، والذي انعطف ليشتد فتكه بالروح والقيم الإنسانية.
إن الإنسان فيما قبل هذه اللحظة التاريخية قد تم تنويمه وقد سلب جوهر الحياة ومنهاج التفكير السليم وأصبح عبدا مسيرا ليعيش في دوامة لا تتوقف من الأفكار السلبية والروح المتخاذلة، لذلك فقد آن الأوان لمواجهة تلك الفوضى والبداية هي التيقظ والانتباه وتحفيز الذات لدحر سراق الفكر وأدعياء العلم من صناع الوهم، وهؤلاء متلونون بألف لون ولون ويرتدون الأقنعة المزخرفة القناع تلو القناع، لذلك يستمر الخداع الذي يمارسونه منذ فجر الإنسانية إلا أنهم لا يفلحون بشكل كامل وتظل المعركة قائمة.
في حوار مع أحد المهتمين بحركة الوعى وأهميتها قام بالاقتباس من عالم الاقتصاد الأميركي توماس سويل قائلا لي: «أدهشنى سويل إذ قام بوصف جانب مهم من الواقع الذي تعيشه الإنسانية منذ قرون، وأن واحدة من العلامات المؤلمة لسنوات من التعليم المبتذل هو عجز الناس عن تقديم حجة متماسكة بحيث لا يمكنهم التنفيس عن مشاعرهم إلا بالتشكيك في دوافع الآخرين ولا يقدرون على التفكير بل يهتمون بتقديم تأكيدات جريئة ورفع وتكرار الشعارات وحسب».
وقد قلت له: لا أعتقد أن هناك من يختلف مع سويل على ما ذكرته في الاقتباس، إلا أن القفز إلى نتائج كبيرة وخطيرة دون دراسة المشكلة هو السرطان المنتشر لدى الجميع والحل يكمن في البحث العلمي الجاد والمنصف وليس في توجيه الاتهامات، علما بأن توماس سويل نفسه متهم بأنه يبني استدلالات بلا منهجية وينشر أعماله بلا مصادر موثوقة ويهمل المصادر تماما ويضع تعليقات متناقضة حول الشأن الأكاديمي والحياة الفكرية، ومن هؤلاء الناقدين له الكاتب الصحافي كولين كامبيل وعالم الاجتماع ريتشارد كوغلين وأستاذ القانون في جامعة ستانفورد ريتشارد تومبسون فورد والمنظر الاجتماعي من جامعة هارفارد ويليام جولياس ويلسون وعالم الاقتصاد بجامعة هامبتون بيرناديت تشاتشير وغيرهم، ورغم أن الرجل موضع احترام وتقدير بين العلماء، إلا أن كثيرا منهم يرون في بحثه غياب المنهجية المتماسكة ولا يثقون باستنتاجاته، وهذا دليل على أن من ينبه الباحثين الى عيوب البحث الفكري قد يرتكبها هو أيضا، لذلك فإننا نرى أن الحل يكمن في الإرادة والتيقظ والبحث دون الانسياق والانزلاق والاتباع والانسلاخ.