بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
من المؤلم أن يشهد شهر مايو الذي انصرم للتو اندلاع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مجددا بعد 7 سنوات، وما خلفه من خسائر بشرية ومادية. وبالرغم من أن الصراع قد تمت تهدئته بشكل مؤقت في الوقت الراهن، لكن المشاكل الأساسية الكامنة وراءه لا تزال بعيدة عن المعالجة. إن القضية الفلسطينية بمنزلة جرح في ضمير البشرية يحتاج إلى الالتئام على نحو مُلِح.
بصفتي سفير الصين لدى الكويت، أحسست وبشكل عميق مدى ثبات الدعم الذي قدمته الكويت قيادة وحكومة وشعبا للقضية العادلة لفلسطين، سواء كان ذلك عبر البيان الرسمي أو الفعاليات التضامنية في ساحة الإرادة. ظل الجانب الصيني، مثل الجانب الكويتي، يرى أنه يجب على المجتمع الدولي تحمل المسؤولية بشكل مشترك، والدفاع عن الإنصاف والعدالة وصيانة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، باعتبار أن موقف الصين والكويت من القضية الفلسطينية ينطلق من الضمير الحي للبشرية.
منذ اندلاع الجولة الأخيرة من تصعيد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قام الجانب الصيني بدفع مجلس الأمن الدولي بالنظر في القضية الفلسطينية 4 مرات خلال 10 أيام بصفته الرئيس الدوري لمجلس الأمن. وخلال ترؤسه للجلسة العلنية الطارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، جدد مستشار الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي التأكيد على أن القضية الفلسطينية ظلت لب قضايا الشرق الأوسط، ودفع مجلس الأمن بكل حرص بإطلاق صوته واتخاذ خطوات حيال هذا الأمر، حيث قال: «قد تأخرت العدالة، لكنها لن تغيب إلى الأبد». وفي السياق ذاته، قام مبعوث الصين الخاص لقضية الشرق الأوسط تشاي جيون بإجراء اتصالات هاتفية مع كل من فلسطين ومصر والأمم المتحدة وغيرها من الأطراف كافة لتهدئة الوضع. إن الجانب الصيني مستعد لإقامة ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام في وقت مناسب، كما يرحب بممثلي المفاوضات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء مفاوضات مباشرة في الصين.
في الحقيقة، تعتبر الصين من أولى الدول التي تدعم المقاومة الشعبية الفلسطينية، وتعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، وأنشأت المنظمة مكتبا لها في بكين يتمتع بمعاملة البعثات الديبلوماسية في مايو 1965. وبمجرد إعلان قيام دولة فلسطين في نوفمبر 1988، قامت الصين بإقامة العلاقات الديبلوماسية معها. وفي عام 2002، أوجدت الحكومة الصينية منصب «مبعوث الصين الخاص لقضية الشرق الأوسط»، والذي يعد أول مبعوث عينته الصين للقضايا الساخنة. وفي عام 2017، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ «الرؤية ذات النقاط الأربع» التي تتضمن دفع الحل السياسي القائم على «حل الدولتين». كما أن الصين قد عقدت ندوة الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية المحبة للسلام 3 مرات للإسهام بالحكمة الصينية في حل القضية الفلسطينية.
ظلت الصين مستمرة في تقديم المساعدات لفلسطين بقدر المستطاع لفترة طويلة. وقد ساعد الجانب الصيني على بناء أكثر من 40 مشروعا في فلسطين حتى شهر يوليو من العام الماضي، بما فيها مشاريع المدارس والطرق والمقرات الحكومية. ومنذ عام 2016، قام الجانب الصيني بتقديم تبرعات دون مقابل قدرها الإجمالي 150 مليون يوان صيني (نحو 23.49 مليون دولار أميركي) لفلسطين، ومساعدات نقدية إنسانية طارئة قدرها 3 ملايين دولار أميركي. وحتى نهاية عام 2019، قام الجانب الصيني بتدريب أكثر من 4000 من المواطنين الأكفاء الفلسطينيين في مختلف المجالات. وبعد حدوث جائحة كوفيد-19، قدمت الحكومة الصينية للجانب الفلسطيني عدة دفعات من المستلزمات الطبية لمكافحة الجائحة، بما فيها 100 ألف جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19، وبعثت له فريقا من الخبراء الطبيين لمكافحة الجائحة، ورتبت اجتماعات عن بعد لتبادل الخبرات بين الخبراء الطبيين من الصين وفلسطين. وفي الأيام الأخيرة، أعلن الجانب الصيني تقديم مليون دولار أميركي لفلسطين كمساعدة نقدية إنسانية طارئة، والتبرع بمليون دولار أميركي آخر و200 ألف جرعة من اللقاح المضاد لكوفيد-19 لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.
إذا نظرنا إلى التاريخ، فسنجد أن السبب الجذري للاضطرابات والفوضى بين فلسطين وإسرائيل يعود إلى عدم حل القضية الفلسطينية بشكل عادل لمدة طويلة، كما قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن عملية السلام في الشرق الأوسط انحرفت عن مسارها المحدد في هذه السنوات، ولم يتم تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بشكل فعال، وتعرض حق فلسطين لإقامة دولة مستقلة لانتهاكات مستمرة، ويتفاقم مأزق الشعب الفلسطيني، مما أدى إلى التصادم بين فلسطين وإسرائيل والصراعات المتكررة. وقبل أيام، شدد وزير الخارجية ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ د. أحمد ناصر المحمد في الجلسة الطارئة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على أنه: «تم وقف إطلاق النار، لكن الاحتلال الإسرائيلي لا زال مستمرا، والحصار على غزة مستمر ومشروع الاستيطان الإسرائيلي مستمر... وعليه ستبقى جذور هذه الأزمة، قائمة ومستمرة، بل ومرشحة مرة أخرى للانفجار في أي لحظة».
إن الجانب الصيني على استعداد للعمل مع المجتمع الدولي، بما فيه الجانب الكويتي، على دعم قيام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي باستئناف مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن على أساس «حل الدولتين»، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية في يوم مبكر، وتحقيق التعايش السلمي بشكل جذري بين فلسطين وإسرائيل وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط.