إنني أتوسم في شعب الكويت الحكمة والفطنة، وتاريخ الكويت يشهد بذلك، إن ما تميزت به الكويت هو تبادل الأدوار والتناغم بين القيادة والشعب في سياسة الدولة ومنهج الحياة. يعلم الجميع أن إدارة الدولة ليست كإدارة جمعية تعاونية، أو أي مجلس كان، يقول العضو كلمته في دقائق ثم يعود إلى بيته، وينتهي مفعول ما قال، وحجته «هذا رأيي الشخصي». لذا أقولها بأعلى صوتي وبكل ثقة، إن هذا العهد يختلف، بكل أركانه، إنه عهد الحزم والحسم ولكن باللين والهدوء، لست ممن يمدح السلاطين ولكنني من الذين استبشرت بأحداث يصنعها ويطبخها هذا العهد، على نار هادئة، من كان يصدق أن شخصيات مهمة جدا خلف القضبان لا تستطيع بكل ما تملك من مقومات أن تهرب «كما تعودنا الهروب بعلم السلطة».
إن هذا العهد كالمضاد الحيوي يقضي على الأمراض بجرعات يفصل بينها زمن محدد! ولا يتم الشفاء إلا باكتمال الكورس! قيادتنا العليا تعمل الآن على تشخيص أمراض الفساد في الجسم الحكومي، وقد أشار وألمح رئيس الوزراء إلى ذلك في أحد خطاباته السابقة.. ولم نستوعب.. بل لم نصدق.. فكان قولا وعملا.
التشخيص والعلاج لأمراض الفساد في السلطات الثلاث مهمة صعبة لا يتزعمها إلا الكبار، والله وبالله إنني مستبشر خيرا، وأدعو أهل الكويت لأن يكونوا أكثر فطنة وذكاء، وأن يربطوا الأحداث بعضها ببعض «لا أريد أن أفصل أكثر»، ولكنني أستذكر مقولة الحجاج بن يوسف وأسمعها تدوي في سماء وطني «إني أرى رؤوسا قد (فسدت) وحان قطافها»، بيارق الحساب والعقاب رفرفت، وجيوش القانون أحضرت، وخطط الهجوم على الفساد جهزت، وبدأ الفاسدون يرتجفون.
أقول لأهلي شعب الكويت صبرا جميلا وبالله المستعان، وأرجو من إخواني نواب مجلس الأمة ألا يفسدوا على القيادة حماسها باقتناص الفاسدين واحداً تلو الآخر، وفي كل المواقع. نعم، نقر ونعترف بأن نوابنا مخلصون لوطنهم، لكنهم في هذا الوقت أصبحوا كالعصي في عجلة الإصلاح، قد يعرقلون نهج القيادة العليا، وقتهم لم يحن بعد، رحيل الرئيسين لا يسمن ولا يغني من جوع، وما جلوس النواب على مقاعد الوزراء إلا تعطيل للحياة النيابية، إن الأخبار التي تصل لأسماعنا من القيادة العليا بإحالة شخصيات مهمة، كانت قيادية، إلى النيابة لمحاسبتها، تثلج صدورنا، وتبعث الأمل، والأجمل شعورنا بأن رجال النيابة والقانون أكفاء يسندهم «أبو السلطات».
بارك الله بكل ما تقوم به القيادة العليا، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقهم لما يحبه ويرضاه، ونرجو من الله أن يهدي نوابنا الكرام وأن يتريثوا قليلا، فالأيام القادمة حبلى بالأحداث الجميلة، فلا تندموا على تسرعكم، فرحيل الرئيسين ليست قضية الشعب، فالكراسي لا تدوم لأحد، دعوا القيادة العليا تستمر بنهجها الإصلاحي، ونحن معها، فكونوا أنتم والحكومة معها. فالحكمة ضالة المسلم.
يقول الحق سبحانه: (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب). «البقرة: 269».
[email protected]